نشر موقع رصيف 22 مقالا للكاتبة شيماء اليوسف تعرض فيه ما روى من حكايات وراء أسماء الحلويات العربية التى تحمل أسماء نسائية.. نعرض منه ما يلى.
قد لا تدخل أحد البيوت العربية إلا وتجد طبق الحلوى فى استقبالك. يتربع على عرش المجلس، ويتزعم الحكايات والأحاديث كلها. وإذا حللت ضيفا عند أحدهم فإنك ستجد، من دون سابق إنذار، طبقا من الحلوى فى انتظارك. يقدمه لك المضيف بابتسامة صافية. لكن هل سألت نفسك من قبل لماذا تُطلَق على بعض الحلويات العربية أسماء نسائية مثل «أصابع زينب»، و«أم على»، و«عزيزة»، و«بسيمة»؟
«أصابع زينب» و«رموش الست»
روايات عديدة، تنبع كلها من ثقافة الأساطير، ترتبط بحلوى «أصابع زينب»، التى يسمونها فى مصر، موطنها الأصلى، «صوابع زينب». القصة الأولى تبدأ من منطقة السيدة زينب: الأخت الكبرى للإمام الحسين ابن الإمام على بن أبى طالب، زوج فاطمة ابنة النبى محمد عليه السلام. أثناء زيارتها مصر، قُدمت لها هذه الحلوى كنوع من حسن الاستقبال. ومنذ ذلك اليوم عُرفت «أصابع زينب» بهذا الاسم. بينما يقول النصف الآخر من هذه القصة، إنها بعد موت أخيها، أمسكت بجثمانه، ما دفع الأمويين إلى فصل أصابعها عن يديها، ليأخذوا جثمانه. وبعد بتر أصابعها، صُنعت هذه الحلوى لها خصيصا، وسميت باسمها. ولعل هذه القصة لا ترتقى إلى منطق الحقيقة، لأن الإمام الحسين قُتل فى العراق، ودفن هناك، وكانت معه فى معركة كربلاء، ولا يوجد أى دليل تاريخى أو أثرى يؤكد على وجود قبرها، أو قبر أخيها فى مصر. هناك أضرحة فحسب. فهى أُخذت أسيرة من الكوفة إلى الشام، مع رأس أخيها، وليس مع جثمانه. ثم إن المسافة بين مصر والعراق فى ذلك الوقت كانت تستغرق ثلاثة أشهر. فلو أنها كانت فى مصر فعلا، فهل من المعقول أن يرسلوا إليها جثمانه، أو ينتظروا ذهابها ثلاثة أشهر، من دون دفنه لكى تلقى عليه نظرة الوداع؟
أما قصة «أصابع زينب» الثانية، فأُخذت من معركة عين جالوت، التى دارت بين المسلمين والمغول، وانتصر فيها الظاهر بيبرس. وعقب عودته من المعركة، استقبله المصريون فى احتفال مهيب، وقدموا له بعض الحلوى. فلفت انتباهه طعم واحدة من الحلويات وشكلها، ولما سأل الطاهى عن صانعها، شعر هذا بالارتباك والخوف فقال له: «إنها أصابع زينب». فطلب بيبرس رؤية الطاهية زينب التى أعدت هذه الحلوى، فأُعجب بها، وتزوجها بعد ذلك. لكن يُطرح السؤال: كيف لقائد مثل بيبرس، الذى قتل قطز بسبب تنمره، وعنصريته، ووصمه بالعار لأنه مملوك، وليس مصرى الدم، أن يتزوج خادمة من القصر؟ كما أنه لا معلومات تؤكد صدق هذه القصة.
أما القصة الثالثة، وهى الأقرب إلى الصدق، فتقول إن شابا أحب فتاة كانت مغرمة بطهى الحلويات، لكن أسرته ترددت فى قبول زواجه منها، فابتكرت حلوى، وقدمتها لهم كنوع من الود من أجل الموافقة. وأُعجبت الأسرة بهذه الحلوى، وأطلقت عليها اسم «أصابع زينب»، ثم انتشرت فى مصر بعد ذلك.
ثمة حلويات أخرى أُخذت أسماؤها من جسد المرأة، مثل حلوى «رموش الست»، التى تمثل واحدة من أبرز الحلويات الشامية التى هبطت إلى مصر من العراق. واستطاع المصريون التفنن فى أشكال تقديمها، واستحداثها من خلال إضافات جديدة إليها. ظهرت هذه الحلوى فى طرابلس، وتحديدا فى عهد الحاكم بربر آغا، الذى عُرف عنه حبه للحلويات والعزائم. وخلال مناسبة أقامها، قُدمت حلوى على شكل رموش، فاقترح أحد ضيوفه تسميتها بـ«رموش الست».
«أم على» أول حلوى توزع فى التاريخ بعد جريمة قتل
تُعد حلوى «أم على»، الحلوى الأكثر انتشارا فى مصر، وفى الكثير من البلاد العربية. لم تنتشر حولها الأساطير مثل «أصابع زينب»، بل ذُكرت قصة واحدة حول نشأتها التى تعود إلى زوجة عز الدين أيبك، وكانت كنيتها «أم على». صنعت هذه الحلوى بعد أن ثأرت لنفسها من فعلة زوجها بقتل شجرة الدر.
كان طلاق عز الدين أيبك، لزوجته وأم ابنه، أحد الأسباب التى أشعلت فى روحها نيران اللوعة والحقد. إذ كان يطمح إلى التربع على عرش الحكم المملوكى، فأحدث زواجه من شجرة الدر نقلة نوعية فى تاريخه، وأصبح السلطان الأول للمماليك بانتهاء حكم الأيوبيين. ولما تزعم السلطة، وألغى دور شجرة الدر، كادت له، وأقسمت أن تتخلص منه، وأمرت بقتله. وصل الخبر إلى زوجته السابقة أم على، وما كان منها إلا أن تنتقم منها بسبب زواجها من عز الدين أيبك، وقتلها له، ما دفع الخادمات إلى أن يضربنها بواسطة «القباقيب» حتى ماتت. وبعد موتها اعتلى ابنها العرش، وسرعان ما أُعلنت الأفراح، وصنعت بنفسها الحلوى، ووزعتها على الناس، فأطلقوا عليها اسم حلوى «أم على».
ذاع انتشار حلوى أم على فى الكثير من البلاد التى كانت تحت الحكم المملوكى، ومنها مصر، والسودان، والمغرب، والعراق. وإن كان اسمها قد تغير مع مرور الزمان من مكان إلى آخر، فإن الاسم الأصلى لها هو أم على، وهى منتشرة فى مصر بشكل كبير، وتحتل مكانة هامة فى المطاعم والمقاهى، وتوزع فى الولائم والعزائم.
لم ترق لى هذه القصة التى شعرت فيها بالخيبات، وأولها لمناسبة تقديم الحلوى، التى توزع احتفاءً بقتل امرأة أخرى لم تقترف ذنبا فى هذه الحياة إلا أنها وافقت على الزواج من رجل أقنعها بالارتباط به من أجل تقلد المناصب. ولم ترتكب أى جريمة بقبول الزواج منه، بحسب ما يشرّع الدين الذى تعتنقه. ومثلها مثل كثيرات يقبلن الزواج برجل متزوج، بموجب النصوص الدينية. وإن كنت لا أقبل بتعدد الزوجات، فلا أقبل أن تُقتل امرأة اختارت أن تكون زوجة ثانية. فهذه حياتها، ولها مطلق الحرية فى ما تريد أن تختار.
«عزيزة» سر غرام السيد مصطفى فى بورسعيد
بعد «أصابع زينب» و«أم على»، يأتى دور عزيزة. الموطن الأصلى لنشأة هذه الحلوى هو مصر، وتحديدا بورسعيد. بدأ انتشارها فى نهاية أربعينيات القرن الماضى على يد مواطن مصرى يدعى السيد مصطفى، الذى استخدم اللبن والنشا والسكر فى ابتكار حلوى جديدة. لم يضع لها اسما، حتى تزوج من حبيبته عزيزة. ومنذ تلك اللحظة أُلصق اسم زوجته بالحلوى التى شاركته فى صنعها. أخذت «عزيزة» تنتشر فى بورسعيد، حتى وقوع العدوان الثلاثى على مصر، ما دفعه إلى ترك مدينته كما فعل الكثيرون. أخذت حلوى عزيزة تنتقل معه من مدينة إلى أخرى بين المحافظات المصرية. وتحظى برواج كبير بين المصريين فى القاهرة، ودمياط، وبورسعيد.
«بسيمة» صاحبة الوجه المبتسم
يأتى دور بسيمة، تلك المرأة التى اشتهرت بحبها للحلويات، وبابتسامتها، وعُرفت بين الناس بصاحبة الوجه المبتسم. وفى إحدى المناسبات الخاصة بها، صنعت حلوى من الدقيق والسمن، وأضافت إليهما جوز الهند، ثم قامت بتوزيعها على الناس كما اعتادت أن تفعل. ولما أعجبهم ما صنعته، أطلقوا اسم بسيمة على الحلوى تقديرا لها. وهى تنتشر فى الكثير من البلاد العربية.
غزل البنات
على الرغم من أن حلوى «غزل البنات» إيطالية الأصل، إلا أنها انتشرت فى البلاد العربية بشكل كبير. ويعود سر تسميتها بهذا الاسم إلى أحد العمال داخل أحد مصانع صناعة الحلويات الإيطالية، وتحديدا عام 1400. إذ وضع العامل كمية من السكر فى قالب معدنى، وتركها على نار هادئة. وأثناء عمله، لاحظ العديد من الخيوط الهشة تخرج من القالب. ولما حاول تجميع هذه الخيوط أسرعت الفتيات لمساعدته. بعد أن قامت الفتيات بغزل الخيوط، ذهب إلى السوق وباعها. وبيعت فى البداية باسم «غزل الجنية»، ثم بعد ذلك عُرفت بالحلوى القطنية، وانتهى الأمر إلى تسميتها بـ«غزل البنات».
لم يقف إطلاق الأسماء النسائية على الحلويات عند هذا الحد، بل إن بعض الحلويات حملت أسماؤها صفة التأنيث، كالبسبوسة، والكنافة، والهريسة، والسمسمية، والحمصية، والفولية، وغيرها. وإن كانت البلدان العربية جميعها تعترف بقيمة المرأة، وتربطها بالجمال أو الحلاوة، فلماذا إذا تقيّدها، وتعتقل حريتها، وتأكل حقوقها؟ أو عساها تفعل هذا لأنها تشيّء المرأة، وترى فيها غرضا، أو قطعة حلوى.
النص الأصلى هنا