اكتمل الوحي الإلهي بقول الله تعالى في سورة المائدة: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا"، في يوم عرفة من حجة الوداع، ليكون الإسلام دينًا مكتمل الأركان، مستندًا إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

وبعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، حمل العلماء على عاتقهم مسئولية فهم الدين واستنباط الأحكام، فكان الاجتهاد بابًا واسعًا أثرى الأمة بعلوم شتى، وعلى مدار أكثر من 1000 عام، ظهر تراث إسلامي زاخر بالكتب في التفسير والحديث والسيرة، والفقه، وغيرها من العلوم.

في هذه السلسلة، نطوف معًا بين رفوف "المكتبة الإسلامية"، نستكشف في كل حلقة كتابًا أثرى الفكر الإسلامي، ونتأمل في معانيه وأثره في مسيرة العلم والدين.

الحلقة الثالثة..

في حلقتنا السابقة، تحدثنا عن صحيح مسلم، أحد أصح كتب الحديث، واليوم ننتقل إلى كتاب مهم جدًا في الفقه الإسلامي، وهو "سنن أبي داود"، الذي تميّز بجمع الأحاديث التي استدل بها الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية، ما جعله أحد الكتب الستة الأساسية في علم الحديث.

من هو الإمام أبو داود؟

الإمام أبو داود السجستاني، اسمه سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي، وُلد عام 202 هـ في سجستان، ونشأ محبًا للعلم، فتنقل بين البلاد لجمع الحديث، وزار البصرة، والكوفة، ومكة، والمدينة، والشام، ومصر، وخراسان، وروى الحديث عن كبار المحدثين، وكان تلميذًا للإمام أحمد بن حنبل، الذي أثنى عليه وعلى كتابه، فقال: "ما كتب أحدٌ الحديثَ أصحَّ من أبي داود، ولا أعلم في حديث رسول الله كتابًا أصحَّ من كتابه بعد الصحيحين، وفقا لما ورد بكتاب "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي.

ما هدف تأليف الكتاب ومنهجه؟

لم يكن سنن أبي داود مجرد كتاب يجمع الأحاديث، بل كان مشروعًا علميًا مقصودًا لاختيار أحاديث الأحكام التي يحتاجها الفقيه والمجتهد. لذلك، جمع الإمام أبو داود 4800 حديث من بين 500 ألف حديث سمعها، واختارها بعناية لتكون مرجعًا للفقهاء، بحسب "مقدمة سنن أبي داوود.

ما هي أشهر الأحاديث في سنن أبي داود؟

يتضمن الكتاب أحاديث كثيرة في العبادات والمعاملات والحدود والجهاد، ومن ذلك حديث الطهارة المشهور: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب."

وهذا الحديث استدل به العلماء في أحكام طهارة الأواني وأثر النجاسة فيه.

كما ورد في كتاب الصلاة حديث النبي: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى، ثلاثًا أم أربعًا، فليطرح الشك وليبنِ على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلّم."

وهذا الحديث أصل في سجود السهو عند الشك في الصلاة.

وغدا نلتقي مع كتاب جديد من المكتبة الإسلامية.