نساء من عصر التابعين (12).. الرباب بنت امرئ القيس.. من خيار النساء وأفضلهن - بوابة الشروق
الجمعة 20 سبتمبر 2024 7:37 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نساء من عصر التابعين (12).. الرباب بنت امرئ القيس.. من خيار النساء وأفضلهن

منال الوراقي
نشر في: السبت 6 أبريل 2024 - 5:10 م | آخر تحديث: السبت 6 أبريل 2024 - 5:12 م
تعد سير الصالحات تربية عملية للنفوس، وغَرْس للفضائل، وتدريب على التجمل بالآداب الإنسانية في ميادين الخُلُق والرضا وطاعة الله؛ ذلك لأن التربية بالاقتداء من خير الأساليب التربوية؛ لصقل الطباع، وتهذيب المشاعر، والسير قدما على طريق التقوى والاستقامة.

وفي عصر التابعين برزت قصص عشرات النساء في حياة نبي الأمة، ممن كان لهن أثر عظيم في عصرهن والعصور التي تلته، أفرد لهن المؤلف والمترجم السوري أحمد خليل جمعة، كتاب "نساء في عصر التابعين" الصادر عن دار نشر ابن كثير، ليركز على دورهن وما جرى لهن من أحداث ترتبط بالدعوة الإسلامية وبالرسول.

الرباب بنت امرئ القيس

في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، جمع المجلس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ـ، وعلي بن أبي طالب، وولديه الحسن والحسين - رضي الله عنهم - وثلة من الصحابة الكرام، ونجباء الإسلام وبعض أبناء المسلمين، وكان الحديث يدور حول انتصارات جيوش المسلمين في الشام.

في تلك الآونة، دخل رجل غريب عن المدينة، تبدو عليه سمات الشرف ومظاهر السيادة، فتخطى رقاب الناس حتى قام بين يدي عمر، فحياه بتحية الخلافة، فقال له عمر: ممن أنت؟ قال الرجل في أدب وتهيب: أنا امرؤ نصراني أدعى امرؤ القيس بن عدي الكلبي.

حينئد عرفه عمر، وعرف جلساءه بأنه سيد بني كلب، ثم توجه بالسؤال إلى امرئ القيس وقال له: ما تريد؟. قال: أريد الإسلام يا أمير المؤمنين. فعرضه عليه عمر، وفتح الله على بصيرته فأسلم وقبل، وأكرمه الله عز وجل بالإسلام، وأكرم سيدنا عمر بأن دخل امرؤ القيس الكلبي الإسلام على يديه، فإن ذلك خير عند عمر من حمر النعم، أو مما طلعت عليه الشمس.

ثم إن سيدنا عمر توسم خيراً في امرئ القيس، وتفرس بملامحه، فألفاه من الرجال الذين يعتمد عليهم، عندئذ دعا له برمح، وعقد له لواء على من أسلم بالشام من قبائل قضاعة، فانصرف الرجل واللواء يرفرف فوق رأسه، وخرج من باب المسجد وغرة الإسلام بين عينيه.

وأخذ العجب عوف بن خارجة المري - وكان يومئذ بالمجلس - فقال: والله؛ ما رأيت رجلاً لم يُصَلُّ الله عز وجل ركعة قط أمر على جماعة من المسلمين قبله!

كان الرجل أميراً من أمراء عمر، وليس له سابقة في الإسلام، ولكنها عبقرية عمر وفراسته التي لا تخيب؛ وهذا ما دعا سيدنا علياً. لأن ينهض ومعه الحسن والحسين، ثم أدرك الرجل، فاستوقفه وحياه، وأمسك بثيابه وقال له: يا عم، أنا علي بن أبي طالب، ابن عم رسول الله الله وصهره؛ وهذان وأشار إلى الحسن والحسين - ابناي من ابنته فاطمة الزهراء.

وجم الرجل قليلاً لهذه المفاجأة، ثم سرعان ما سرت علائم السرور في وجهه، وأقبل على سيدنا علي وولديه، ورحب بهم وابتسم في وجوههم. فقال له على: قد رغبنا في صهرك فأنكحنا.

وسرت لحظات استجمع امرؤ القيس خلالها كل الفضائل لهؤلاء الأعلام الذين يقفون أمامه، والذين يمثلون آل بيت النبي الله، وعرضت أمام مخيلته بناته الثلاث وهن: المحياة، وسلمى، والرباب، وبفراسته استطاع أن يتبين لمن تصلح كل واحدة منهن، ولم يطل استغراقه في التفكير، فقال: مرحباً بابن عم رسول الله؛ قد أنكحتك يا علي المحياة بنت امرىء القيس. ثم التفت إلى السبطين الشريفين الحسن والحسين وقال: قد أنكحتك يا حسن سلمى بنت امرئ القيس؛ وأنكحتك يا حسين الرباب بنت امرئ القيس.

ثم انصرف بعد أن أصبر إلى أكرم بيت في الدنيا. ومنذ ذلك اليوم حلقت شهرة الرباب بنت امرئ القيس الكلبية عالياً عالياً في سماء المكرمات، إذا اقترنت بريحانة رسول الله ﷺ، ودخلت أشرف بيت في الدنيا وفي قريش، وقد عدي هذا البيت بلباب الأداب النبوية، وازدان بشرفها وسؤددها.

من خيار النساء:

أجمع كل من عرف الرباب بنت امرئ القيس أنها من خيار النسوة، ومن فضليات التابعيات اللاتي تركن مجداً مؤثلاً من الفضائل والوفاء والإخلاص.

فقد كانت الرباب فتاة تبدو عليها ملامح الذكاء والفطنة، وتسيل على لسانها نفحات من الشعر ورقائق من الأدب، وقد حياها الله عز وجل مسحة من الوضاءة والجمال، وجمعت من كل فضل من الفضائل بطرف، مما جعلها أثيرة لدى زوجها الحسين بن علي.

وأثمر زواج الحسين والرباب ثماراً صالحة، فولدت له عبد الله بن الحسين - وبه يكنى - ثم ولدت له آمنة التي لقبتها باسم سكينة، وقد اشتهرت بهذا الاسم في عالم النساء.

رضي وقد وثقت هذه الولادة عرى المحبة بين الزوجين، وكان الحسين الله عنه - يُنزل الرباب من قلبه مكاناً رحياً، فكان يسكن إليها سكون المودة والرحمة، ويهتم بها اهتماما جعل بعض المقربين يعاتبه في ذلك عتاباً رقيقاً؛ ولكن الحسين - رضوان الله عليه - لم يستمع إلى عتاب أحد، ولم يصغ لما يقوله الأقربون في هذا الميل وهذا الأنس إلى الرباب وابنتها، وبلغ من شدة حبه للرباب ولابنتها سكينة الجميلة أن كان يحب لحبهما الديار التي تقيمان فيها.

وقال: العمرك إنني لأحب داراً.. تحل بها سكينة والرباب.. أحبهما وأبدل جُل مالي.. وليس للانمي فيها عتاب.. ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً.. حياتي أو يغييني التراب.

وفي الرباب وابنته سكينة يقول أيضاً: كان الليل موصول بليل.. إذا زارت سكينة والرباب.. . ولم تكن مبالغة الحسين في الاهتمام بالرباب لتأتي من فراغ ، فقد كانت الرباب - رحمها الله - من النساء ممن يعرفن قدر الأزواج وحقوق الزواج، ونشأت على أكمل تربية، وصقلت حُسن تربيتها بالتأسي بأخلاق البيت النبوي الشريف، تلك الأخلاق التي تجعل صاحبها في مقام رفيع.

من سيدات الرثاء:

في كربلاء بالعراق، كانت الرباب بنت امرئ القيس مع زوجها الحسين، ومعها عدد من نسوة بني هاشم منهن: زينب بنت علي أخت الحسين، وابنتاه سكينة وفاطمة، وغيرهن من العقائل الكريمات.

ونظر الحسين إليهم ملياً ثم قال يخاطبهن: يا أختاه، يا أم كلثوم، ویا زینب، وأنت يا سكينة، وأنت يا فاطمة، ثم قال لزوجه الرباب: وأنت يا رباب إذا أنا قتلت فلا تشق إحداكن علي، ولا تخمش وجهاً، ولا تقل هجراً.

وأطرقن جميعاً واجماتٍ، ومن ثم أوصى الرباب بابنته سكينة، وعلى أرض كربلاء، استشهد الحسين - رضي الله عنه. في المحرم سنة 61 هـ، وملأت الرباب الدُّنيا برثائها له.

وجاء رثاء الرباب للحسين، كصورة صادقة للزوجة الوفية التي تحمل كل معاني الوفاء لزوجها الشهيد؛ الذي كان مجمعاً لكل فضيلة، فقالت: إن الذي كان نوراً يستضاء به.. بكربلاء قتيل غير مدفون.. سبط النبي جزاك الله صالحة.. عنا وجنبت خُسران الموازين.. قد كنت لي جبلاً صعبا الوذ به.. وكنت تصحبنا بالرحم والدين.. من لليتامى، ومن للسائلين، ومن.. يعنى، ويأوي إليه كل مسكين.
أقرأ أيضا:


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك