تحل علينا الذكرى الحادية والخمسين لحرب السادس من أكتوبر، ذكرى العبور العظيم للجيش المصري من الضفة الغربية لقناة السويس إلى الضفة الشرقية المحتلة. في مثل هذه الأيام عام 1973، بدأت معركة استعادة الأرض المحتلة بعد نكسة الخامس من يونيو عام 1967.
تعد تلك المعركة واحدة من أهم المعارك في الصراع العربي الإسرائيلي، وهي حلقة محورية في مسلسل النزاع العربي الإسرائيلي، خاصةً في السياق المصري. فقد شكلت انتصارًا ميدانيًا أول من نوعه للجيش المصري على الجيش الإسرائيلي، وكانت الهزيمة المدوية الأولى للحلم الصهيوني. وبالتأكيد، مثل هذه الحرب والصراع يستحقان العديد من الكتب والمراجع لتوثيقهما وتحليلهما. فحرب السادس من أكتوبر تعدّ مرحلة فاصلة في تاريخ المنطقة.
وفي السطور التالية نعرض بعضًا من أبرز الكتب التي تناولت هذه الحرب بالتوثيق والتحليل.
"مذكرات المشير الجمسي.. يوميات مقاتل في حرب أكتوبر 1973"
يكشف الكتاب السيرة الذاتية للمشير محمد عبد الغني الجمسي، أحد القادة العسكريين البارزين الذين شاركوا في حرب أكتوبر. تسرد مذكرات المشير الجمسي قصة حياته ومسيرته المهنية كرئيس للأركان في الجيش المصري عام 1971.
بدقة وتفصيل، يروي الكتاب تجربته خلال حرب أكتوبر 1973، حيث شارك فيها بنفسه وشهد جميع الأحداث التي شكلت نقطة تحول في تاريخ المنطقة.
تتضمن المذكرات فترة ما قبل الحرب منذ يونيو 1967 وما تلاها، وتسلط الضوء على استعدادات حرب أكتوبر وإعادة بناء القوات المسلحة ومرحلة الدفاع والصمود، إلى جانب الدروس المستفادة من حرب يونيو 1967 وأهمية تلك الدروس في وضع الاستراتيجية المصرية لحرب أكتوبر 1973.
من خلال مذكراته، يستعرض المشير الجمسي التحديات والعقبات التي واجهها المصريون على المستويات العسكرية والسياسية والحياتية خلال تلك الفترة.
ويتناول الكتاب بشفافية الإيجابيات والسلبيات التي شهدتها الدولة، بالإضافة إلى تأثير الصراع العربي الإسرائيلي على القرارات السياسية والساحة الدولية، بما في ذلك التدخلات الروسية والأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
"المعارك الحربية على الجبهة المصرية"
يعتبر كتاب "المعارك الحربية على الجبهة المصرية" للكاتب والمؤرخ العسكري جمال حماد والصادر عن دار الشروق من أشهر الكتابات التي صدرت عن حرب أكتوبر وأكثرها تأثيرًا، إذ يعد مرجعًا ضروريًا وتوثيقًا أمينًا لكل المهتمين بمعرفة الملحمة الحربية العظيمة «أكتوبر 1973».
يقدم الكاتب والمؤرخ العسكري جمال حماد في كتابه تحليلًا فنيًا لجميع أحداث ومواقف الحرب بكل حيادية وصدق، مشيرًا إلى نقاط القوة والضعف، وكذلك الأخطاء الاستراتيجية التي وقع فيها أطراف المعركة، وكيف كان بالإمكان تفاديها، كما يتناول كيف يمكن للمصريين تجنب ذلك مستقبلاً. يمكن القول بأن اللواء جمال حماد لم يغفل أي تفصيل عن الحرب، بدءًا من التمهيد لها مرورًا بأحداثها وانتهاءً بوقف إطلاق النار، ومقاومة أهل السويس الأبطال للعدو عند حصار المدينة بعد الثغرة.
"المصريون والحرب.. من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر"
يوضح كتاب "المصريون والحرب.. من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر" للكاتب الكبير جمال الغيطاني بجلاء دقة التخطيط المصري في حرب أكتوبر المجيدة، ويلقي الأضواء على شجاعة رجال القوات المسلحة في تنفيذ المهام التي أوكلت إليهم خلال المعارك، كما يبرز التلاحم الرائع بين جنودنا والمواطنين المصريين من قبائل سيناء، الذين كانوا خير معين لهم في تنفيذ تلك المهام الجسام حتى تحقق النصر، وعادوا سالمين إلى القاهرة ليستقبلهم المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك، في مكتبه ويقلدهم أرفع الأوسمة.
في الكتاب، يسعى جمال الغيطاني لرصد العديد من الأمور المتعلقة بحرب أكتوبر، حيث كان مراسلاً حربياً في تلك الفترة، فيتحدث عن مرارة ما بعد يونيو 1967، وما تعرض له المقاتل المصري من ضغوط نفسية كبيرة. أطلق الغيطاني على القسم الأول من كتابه "البعث"، لأنه يرى أن "حرب الاستنزاف كانت بعثًا لروح جديدة في جنودنا". وفيه يحكي الكاتب عن بداية تعرفه على المقاتل المصري فوق أرض الواقع، ويتغزل في المدينة الباسلة "بورسعيد"، ويتحدث عن لقائه بجنودنا على جبهة القتال أثناء فترة حرب الاستنزاف ورغبتهم العالية في تحرير الأرض.
"خلف خطوط العدو"
يروي كتاب "خلف خطوط العدو" للفريق أسامة مندوه، والصادر عن دار الشروق، قصة بطولة رائعة من بطولات رجال القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر 1973، تتمثل في مجموعة استطلاع مصرية «المجموعة لطفي»، بقيادة النقيب أسامة المندوه، والتي دفعتها القيادة للتمركز خلف خطوط العدو وفي قلب تجمعاته، حيث مركز القيادة والسيطرة الإسرائيلي في «أم مرجم» و«مطار المليز» الحربي، في وسط سيناء.
يسرد الكتاب بأسلوب سلس وجذاب كيف نجحت «المجموعة لطفي» في مراقبة تحركات العدو وآلياته في عمق سيناء، والإسهام في الكشف المبكر عن نواياه لمدة ستة أشهر بدأت منذ يوم 6 أكتوبر.
كما يبرز الكتاب التلاحم الرائع بين رجالنا والمواطنين المصريين من قبائل سيناء، الذين كانوا خير معين لهم على تنفيذ مهامهم الكبيرة حتى تحقق النصر.
"حكاية مصري مع إسرائيل"
يقدم كتاب "حكاية مصري مع إسرائيل"، والصادر عن دار الشروق، تجربة حياة استثنائية للباحث المصري إبراهيم البحراوي، الذي وجد نفسه منذ صغره يندمج في ملاحم النضال المصري من أجل التحرر والاستقلال، بدءًا من الاستعمار البريطاني في الخمسينيات من القرن العشرين، وصولًا إلى الكفاح ضد العدوان الثلاثي عام 1956، حيث كان متواجدًا في بورسعيد، مسقط رأسه، وعمق المعركة، ثم من أجل تحرير سيناء بعد احتلالها عام 1967.
تجسد هذه التجربة امتزاج الخاص بالعام، وتوضح كيف يمكن لعبارات مكتوبة بالعبرية على جدران بيوت بورسعيد في ذروة العدوان الثلاثي أن تغيّر من مستقبل شاب يكتشف العالم من حوله في لحظة ملتهبة.
كما تسلط الضوء على الصراع النفسي القاسي الذي مر به إبراهيم البحراوي وأبناء جيله تجاه معاهدة السلام عام 1979، حيث كان من قبل مقاتلاً في ساحات الحروب، وحاضراً لاستجواب الأسرى الإسرائيليين، ومطلعاً على الوثائق السرية الإسرائيلية عن حرب أكتوبر. إنها رحلة ثرية مليئة بالاكتشاف، تستعرض بعمق صفحات عصيبة ومفصلية في التاريخ الوطني والإنساني.
"أكتوبر 73.. السلاح والسياسة"
يتناول الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه "أكتوبر 73.. السلاح والسياسة" اللحظات الحرجة سياسيًا وعسكريًا في تاريخ مصر المعاصر، بدءًا من لحظة وفاة عبد الناصر وتولي نائبه أنور السادات المهام الجسيمة للتحضير لمعركة الحسم مع العدو الإسرائيلي بعد نكسة يونيو 1967، ويغوص بنا في الكواليس السياسية لإحلال السلام دون اللجوء للحرب.
"أكتوبر 73" هو الجزء الأخير من رباعية الأستاذ هيكل عن حروب الثلاثين عامًا «العدوان الثلاثي 1956، نكسة 1967، أكتوبر 1973»، والتي بدأت بكتاب "أزمة السويس"، ثم "سنوات الغليان"، "الانفجار"، وأخيرًا "أكتوبر 73.. بين السلاح والسياسة".