«المشاء العظيم».. بانوراما سردية مشوقة لأحمد الفخرانى - بوابة الشروق
الخميس 3 أكتوبر 2024 9:32 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«المشاء العظيم».. بانوراما سردية مشوقة لأحمد الفخرانى

أسماء سعد
نشر في: الجمعة 8 ديسمبر 2023 - 8:40 م | آخر تحديث: السبت 9 ديسمبر 2023 - 1:59 م

تساؤلات حول الحقيقة والزيف، الاستحقاق والسطو على جهود الآخرين، ضمن نص شيق للروائى أحمد الفخرانى، فى رواية «المشاء العظيم» الصادرة عن دار الشروق، وتتمحور بالأساس حول فن الرواية ومستقبلها والعناصر البشرية الفاعلة فيها والمعطيات التى تحيط بإبداعهم.
يمضى أحمد الفخرانى فى أحدث مؤلفاته نحو تفكيك فكرة السطو على جهود الآخرين، أو انتحال الإبداع بمعنى أدق، عبر استخدام حس ساخر يضاعف من شعور القارئ بأهمية الطرح المتعلق بمفهوم الإبداع وما هى الركائز الأساسية التى يحتاجها لكى يكون خالصًا، والمتطلبات التى يتعين على المبدع أن يلتزم بها فى رحلة البحث عن الحكاية وأصلها، وما إذا كانت مزيفة من عدمه.
يقدم أحمد الفخرانى لقرائه وليمة أدبية متداخلة فى رسائلها ودلالاتها، حيث سيرة الروائى الساعى إلى النجاح والتحقق «محمد الأعور»، ولجوئه إلى طرق ملتوية من أجل اختراق الوسط الأدبى، وبمجرد بلوغ مناله، يتفاجأ بشبح أستاذه الذى ذهب طى النسيان بفعل فاعل، «فرج الكفراوى» الذى يلزمه بأن يرد الجميل وأن يكفر عن ذنب سرقته الأدبية لست روايات صنعت مجد الأعور وشهرته، وأن يكون العمل السابع بمثابة «اكتشاف معلن» ينسب حصرا إلى الكفراوى ليعيد إحياء اسمه مرة أخرى.
يخلق أحمد الفخرانى عالما روائيا مشوقا منذ اللحظة الأولى، حينما يضع القارئ فى المواجهة تماما مع قالب مغاير يتضح مع بادئ الصفحات، حيث يصور الصفحات الأولى كـ«مسودة» الرواية الأخيرة للروائى «محمد الأعور» أحد أهم شخصيات العمل، حيث يكشف لنا أن الأعور قد انتحر، وأن المسودة تذهب بطبيعتها فى اتجاهين، الأول بعنوان «همس الجنون»، نسبة الأعور إلى أستاذه الروائى الراحل فرج الكفراوى، والكتاب الثانى بعنوان: «المسخ»، ونسبة الأعور إلى تأليف عبر تقنية الذكاء الاصطناعى.
يعتمد أحمد الفخرانى على أكثر أشكال اللغة سلاسة وتماسك فى الوقت ذاته، وهو ما نعاينه فى المقتطف التالى: «لم يتوقع أحد كل هذا النجاح عندما أطلق محمد الأعور تطبيقه الإلكترونى الفريد (المشاء العظيم) الذى وضع فيه كل خبرة روحه فى التزوير. الشىء الأصيل الوحيد الذى يملكه مضافا إليه طزاجة جسد تلميذه الشاب هانى الديب، وكل ما تعلَّمه من أستاذه فرج الكفراوى».
يستطيع مستخدمو التطبيق تغيير حبكة أى رواية إن أرادوا أن يغيروا النهايات والبدايات، أن يحذفوا الجمل التى أثارت مللهم أو حفيظتهم أو أن يضيفوا جملهم الركيكة والقوية بأنفسهم، لا فارق؛ فالتطبيق يدعم نزعة الإنسان إلى المونولوج ويحترم الثرثرة.
فى معرض تقييمه للطريقة اللافتة التى بدأ بها الفخرانى روايته، يقول الناقد الكبير محمود عبدالشكور: هذا التقديم هو قانون اللعبة: المراوحة بين الحقيقة والخيال، بين فوضى الكوابيس، وصنعة التطبيقات الإلكترونية، بين السعى للإبداع، وإدمان الانتحال، وهذه رواية داخل رواية عن متاهة بطلنا التراجيدى محمد الأعور، المنتحل لروايات أستاذه الكفراوى، والذى يقبل عرض الكفراوى بأن يكتب رواية سابعة أخيرة، وينسبها إلى أستاذه، لكى يعيده من غياهب النسيان، إلى دائرة الخلود.
تتناسب فكرة الرواية داخل الرواية، فى متاهة متقنة الصنع، مع مايذهب إليه الفخرانى فى عدد من المقتطفات داخل «المشاء العظيم»، ومنها: إن أردت التقدم أكثر فى اللعبة فعليك أن تدفع ما يعادل دولارا لكل خطوة إضافية يتم التبرع بعشرة سنتات منها لرابطة الروائيين المنسيين الذين كلّفتهم الكتابة حياتهم بلا عائد. نجحت تلك الفكرة، فقد جعلت المستخدمين يشعرون أثناء اللعب بمتعة الإحسان. نسخة روايتك المحرَّرة من الروايات الأخرى قد تحظى بمكان فريد ودائم إن دفعت أكثر. كلما حظيت بانتشار وتقييم أكثر من سواك ضمنت مكانا متميزا مجانا ولمدة تطول حسب اهتمام المستخدمين، قبل أن يأكل روايتك النسيان ويندفعوا منجذبين إلى رواية جديدة.
ويمضى الفخرانى ليضعنا فى المواجهة مع معطيات عالمنا المكتظ بالتدخلات الرقمية، ليسرد: من يستخدم التطبيق، عليه أن يقبل أولا شروط سياسة الاستخدام، وأهمها موافقته على أن يكتب لقارئ على استعداد للتخلص منه فور اكتشاف ومضة جديدة فى الأفق، عرّف التطبيق نفسه كالتالى: لا نملك أى قواعد بديلة ضد وصفات الكتابة، بل نتبنّاها، نعرف أن الوصفات صالحة وتنتج يوميا الطبيب والمهندس والعاطل وآلاف الروايات الممتازة والجيدة والتافهة، يصنّف كُتاب التطبيق إلى عدة فئات: المقامرون، الخونة، قناديل البحر، أبناء بودلير. أعلاهم قدرا الخونة، وأكثرهم حظا المقامرون، أكثرهم ولاء أبناء بودلير، أجملهم قناديل البحر».
حقق الروائى أحمد الفخرانى على مدار 183 صفحة فى الرواية الصادرة عن دار الشروق، مزيج متوازن بين عناصر الدراما الإنسانية العميقة والتشويق معًا، وفى طيَّاتها تكمنُ تساؤلات حول النجاح والأصالة والزيف، وكذلك حول فن الرواية ومُستقبلها.
أحمد الفخرانى هو روائى وصحفى، صدرت له عدة روايات منها: «بار ليالينا» التى وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2023، «إخضاع الكلب» عام 2021، «بياصة الشوام» التى حصلت على المركز الأول لجائزة ساويرس فرع شباب الأدباء عام 2020، ورواية «ماندرولا» التى حصلت على المركز الثانى عام 2016، والمجموعة القصصية «مملكة عصير التفاح»، بالإضافة إلى كتاب «فى كل قلبٍ حكاية» بورتريهات، وديوان «ديكورات بسيطة» بالعامية المصرية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك