يُعتبر المصريون القدماء من أوائل الشعوب التي عبرت عن مشاعر الحب بشكل فني وأدبي، حيث تركوا إرثًا غنيًا من القصص والنصوص التي تجسد الحب، مدونة على ورق البردي وجدران المقابر والمعابد.
وبحسب الخبير الأثري علي أبو دشيش، كانت الإلهة "حتحور" رمزًا رئيسيًا للحب والحنان في الثقافة المصرية القديمة، ما يعكس مدى تقدير الفراعنة لهذه المشاعر الإنسانية العميقة.
وتابع: "تميز الفراعنة ببراعتهم في اختيار الكلمات والمعاني التي تعبر عن الحب، حيث كانت كلمة "مر" تعني "الحب" في اللغة المصرية القديمة. ومن أبرز القصص التي تجسد الحب في التراث الفرعوني هي قصة "إيزيس وأوزوريس"، التي تُعد واحدة من أشهر قصص الحب الأسطورية. فبعد وفاة أوزوريس، جمعت إيزيس أشلاء زوجها وبكت عليه، وكانت دموعها، وفقًا للأسطورة، سبب فيضان نهر النيل".
كما برزت قصص حب أخرى بين الملوك والملكات، مثل قصة الملك إخناتون وزوجته نفرتيتي، التي اشتهرت بجمالها وقوة شخصيتها. وكذلك قصة حب الملكة نفرتاري، زوجة الملك رمسيس الثاني، الذي كتب لها على واجهة معبدها في أبو سمبل: "أمر جلالة الملك رمسيس الثاني بإقامة هذا المعبد من حجر جميل جيد لزوجته نفرتاري، التي تشرق الشمس من أجلها".
ومن بين القصص المميزة أيضًا قصة حب القزم "سنب" وزوجته، التي قبلت الزواج منه رغم اختلاف شكله الجسدي. ويظهر التمثال الخاص بهما في المتحف المصري ابتسامة تعكس السعادة والرضا، مما يدل على قوة الحب الذي جمع بينهما. كما تجسد التماثيل المصرية القديمة، مثل تمثال أمنحوتب وتي، وتمثال رع حتب ونفرت، وتمثال منكاورع وزوجته، علاقات الحب والمودة بين الرجل والمرأة في الحضارة الفرعونية.
وقد ترك المصريون القدماء أيضًا نصوصًا غزلية رقيقة تعبر عن مشاعر الحب، حيث قال أحدهم عن حبيبته: "حبيبتي ليس لها ثاني، هي أجمل الجميع، تشبه نجمة الصباح عند شروقها مع مطلع عام سعيد. ساحرة هي نظرات عينيها، رقيقة هي كلمات شفتيها، نبيلة هي في مظهرها عندما تسير على الأرض. إنها تأسر قلبي بجمالها".
كما كتب آخر: "أنت الأجمل بين النساء، ليس كمثلك أحد. أنت النجم المشرق في مطلع سنة جديدة، أنت زخات الماء في يوم الفيضان. أما أنا فغارق لرأسي تحت أمواج الحب. ثغرك برعم، زهرة نهدك ثمرة تين، جبينك طوق من عاج. أما أنا فإوزة برية سقطت راضية في شرك الحب. حبك في قلبي كبوصة في أحضان الريح، يقتلعها ويطير بها كيفما شاء من بستان إلى بستان".
,تظهر هذه النصوص والقصص كيف كان الحب جزءًا لا يتجزأ من حياة المصريين القدماء، وكيف عبروا عنه بفن وبلاغة، ليتركوا لنا إرثًا ثقافيًا غنيًا يعكس عمق مشاعرهم الإنسانية.