الـ«مذنب» الهندى.. جريمة عجز مزدوجة - بوابة الشروق
السبت 8 فبراير 2025 1:24 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الـ«مذنب» الهندى.. جريمة عجز مزدوجة

فيلم «مذنب»
فيلم «مذنب»
كتب ــ طلعت إسماعيل:
نشر في: الأحد 15 نوفمبر 2015 - 1:11 م | آخر تحديث: الأحد 15 نوفمبر 2015 - 1:13 م

• عندما يفشل المجتمع فى ضبط الأمن والإعلام تضيع الحقيقة

تأخذنا المخرجة الهندية ميجنا جولزار فى فيلمها «مذنب» الذى يعرض ضمن مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الـ37، إلى جريمة قتل حقيقية وقعت فى مدينة دلهى عام 2008، لتقدم من خلالها إطلالة ناقدة لعجز مجتمعات العالم الثالث عن تنظيم مؤسساتها الأمنية والقضائية، فتفشل فى الوصول إلى الفاعل لجريمة قتل مزدوجة شغلت الرأى العام.

يبدأ الفيلم باحتفال إدارة التحقيقات المركزية بيومها السنوى الذى يصادف الأول من إبريل، فى محاولة لربطه بيوم اختلاق الأكاذيب على سبيل المزاح فى غالبية بلدان العالم، حيث يكلف مسئول الإدارة واحدا من ألمع محققيها لإماطة اللثام عن غموض جريمة القتل التى فشلت الشرطة الجنائية فى حل لغزها المعقد.

على طريقة «الفلاش باك» يتوالى استدعاء الأحداث منذ اللحظة الأولى لاكتشاف عائلة الفتاة الصغيرة «شروتى» لجثتها المذبوحة داخل غرفتها، واتهام الخادم «كمبال» بقتلها، قبل أن تصل الشرطة المحلية إلى منزل الضحية، حيث يستعرض الفيلم أسوأ النماذج لرجال الشرطة، فأنت أمام مجموعة من الجنود المستهترين، يقودهم ضابط يفتقد لأبسط القواعد المهنية فى عمله.

تبحث الشرطة عن الخادم المتهم بالجريمة، لكن بعد اكتشاف مقتله هو الآخر بالطريقة ذاتها التى قتلت بها الفتاة، تتوجه أصابع الاتهام إلى الأب باعتبارها جريمة شرف، فى محاولة للإيحاء بوجود علاقة آثمة بين الفتاة ابنة الأربعة عشرة ربيعا، والخادم الخمسينى.

وتحت ضغط الإعلام الذى راحت المخرجة جولزار وكاتب السيناريو فيشال باردواج، يسخران منه على طريقة غالبية الأعمال السينمائية فى كل بقاع العالم، باعتباره مهيجا، بل ومهرجا أحيانا لشغل الرأى العام، تتولى إدارة التحقيقات المركزية القضية، وهنا يظهر المحقق البارع كومار، يقوم بالدور الممثل عرفان خان، الواقع تحت تأثير مشاكله العائلية وانخراطه فى إجراءات الطلاق مع زوجته.

إذن نحن أمام محقق مأزوم اجتماعيا، يحاول فك لغز جريمة باتت قضية رأى عام، وصل صداها إلى الدوائر السياسية التى تريد حلا للغز بأسرع وقت ممكن، لتفادى سهام الهجوم الإعلامى الشرس، يستعين كومار بخبراته الطويلة مع عالم الجريمة، لكنه يكتشف إلى أى مدى بعثر عناصر الشرطة الجنائية، بإهمالهم، كل الخيوط المادية فى مسرح الجريمة والتى كان يمكن لها أن تقود إلى القاتل.

وأمام عجز الأدلة يلجأ كومار ــ ككل عناصر الشرطة الفاشلين ــ إلى تضيق الخناق على المقربين من الضحايا تارة بالتعذيب والضرب، وأخرى بإخضاعهم لعمليات كشف الحقيقة تحت تأثير العقاقير الطبية بالمخالفة للقانون، وعندما يقترب من شخصين يعقد أنهما الفاعلان للجريمة، يتغير مسئول إدارة التحقيقات المركزية، وهو رجل صاحب عقلية مختلفة عن سابقه، حيث يزعم التمسك بتطبيق القانون.

المسئول الجديد يستبعد المحقق كومار عن مباشرة القضية للجوئه إلى اساليب خارج القانون، ويستدعى محققا من أصدقائه لتبدأ الشرطة رحلة فشل ثالثة فى كشف الحقيقة، قبل أن توجه المحكمة الاتهام إلى والدى الفتاة الضحية ــ قام بدور الأم كونكونا سين شارما، والأب، نيراج كابى ــ ويصدر ضدهما حكما بالسجن مدى الحياة، قبل أن تعود بنا المخرجة إلى اسلوب «الفلاش باك»، المولعة به، لتضعنا إلى احتفال العائلة بعيد ميلاد الصغيرة قبل ساعات قليلة من مقتلها، ما يجعل المتفرج يستبعد كلية ارتكابهما للجريمة.

اختارت المخرجة ميجنا جولزار، أن تنهى فيلمها من دون أن تترك أى ذرة يقين عمن يكون المذنب، فى جريمة القتل المزدوجة، فى نص مفتوح على كل الاحتمالات فى الواقع، لكنها فى الطريق عرت عجز الشرطة وقلة احترافيتها، وارتباك جهاز أمنى لم يفلح بعد فى التخلص من ترهل عناصره، وحيرة مجتمع لم يصل بعد إلى تحقيق العدالة أو «الإنصاف» وهى الكلمة الهندية المأخوذة عن العربية، والتى ترددت كثيرا فى كلمات أغنية ظلت تستخدم كأنها فواصل بين مراحل الصعود والهبوط فى أحداث الفيلم وكانت جزاء من نهايته.

«مذنب» محاولة لتقديم سينما مغايرة عن النمط التقليدى للسينما الهندية التى تقدمها بوليوود، فلا مجال للرقص والغناء، وقصص الحب الملتهبة، والاستعراضات المبهرة، ولا وقت لتقديم الحسناوات، والأبطال مفتولى العضلات الذين يأتون بالمعجزات، فأنت أمام عمل بسيط مسكون بالحزن والألم، يحاول أن يقدم «هند» الواقع لا الخيال، ويعرى مجتمع عجز عن ضبط مؤسسته الأمنية ومنظومته الإعلامية فضاعت الحقيقة، ومات من مات، وسجن من سجن فلا تعرف القاتل من البرىء.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك