الترشيح الطبيعي.. تقنية خضراء منخفضة التكاليف والفواقد لإنتاج مياه الشرب النظيفة - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 3:30 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الترشيح الطبيعي.. تقنية خضراء منخفضة التكاليف والفواقد لإنتاج مياه الشرب النظيفة

وحدات الترشيح الطبيعي في مركز ساقلتة بمحافظة سوهاج
وحدات الترشيح الطبيعي في مركز ساقلتة بمحافظة سوهاج
محمد علاء
نشر في: الخميس 17 نوفمبر 2022 - 8:08 م | آخر تحديث: الخميس 17 نوفمبر 2022 - 10:52 م

تقنية الترشيح الطبيعى ظهرت لأول مرة فى أوروبا بسبعينيات القرن التاسع عشر واُختبرت فعاليتها بإمبابة فى 2012
رصد 500 موقع مبدئى لاستقبال أنظمة الترشح الطبيعية.. ودراسات تؤكد أن مصر بيئة مواتية لاستخدام هذه التكنولوجيا
«القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى»: توفر 10% من المياه المهدرة بمراحل التنقية التقليدية..«الهابيتات»: تكلفتها 5% من المحطات التقليدية ولا تعتمد على الكيماويات فى التنقية.. ورسلان: تختصر 6 مراحل للتنقية بالطرق التقليدية وبتكلفة لا تذكر



حتى أواخر عام 2019، كانت شكاوى علاء ثابت وجيرانه بقرية القرامطة شرق بمحافظة سوهاج، من ضعف المياه، لا تنتهى، حينها كانت منازلهم لا تخلو من الجراكن لتخزين المياه، لاستخدامها فى أوقات الطوارئ، «الميّاه كانت دايما ضعيفة.. فى بعض الأحيان كانت بتنزل لنا من الحنفية نقطة نقطة» يقول ثابت معبرا عن سوء حالة المياه فى قريته.

لكنّ الحال فى منزل علاء ثابت المدرس بأحد المعاهد الأزهرية، لا يبدو الآن كما كان عليه قبل 3 سنوات، فلم يعد هناك حاجة إلى الجراكن بعدما استقرت المياه بنحو يجعلها لا تحدث أزمات مشابهة، بل بات يشعر سكان قريته بتحسن لافت فى طعم المياه، وهو ما عزاه الدكتور محمد عيد، مدير معمل مياه الشرب بفرع ساقلتة بشركة مياه سوهاج، إلى دخول 4 وحدات «ترشيح طبيعى» إلى منظومة إنتاج مياه الشرب فى القرى التابعة لمركز ساقلتة، ومنها القرامطة شرق.

مركز ساقلتة ليس استثناء، فيوجد بمصر 160 وحدة ترشيح طبيعى بـ9 محافظات هى (بنى سويف، والمنيا، وأسيوط، وسوهاج، وقنا، والأقصر، ودمياط، والدقهلية، والقليوبية)، من أصل 500 موقع مبدئى صالح لتطبيق هذه التكنولوجيا.

تعتمد أنظمة الترشيح الطبيعى على دق آبار لسحب المياه من قاع وضفاف النهر أو الترع الكبرى، مرورا بالتربة، التى تعمل كـ«فلتر» لتنقية المياه لتكون صالحة للشرب مباشرة أو بحاجة إلى مرحلة مكمِّلة، وبتكلفة تكاد لا تذكر مقارنة بالطريقة التقليدية، بحسب رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، المهندس ممدوح رسلان.



يوضح رسلان، لـ«الشروق»، أن المحطات التقليدية تحتاج إلى 6 مراحل لإنتاج كوب ماء نظيف، تبدأ بـالتصفية لإزالة القطع الصلبة مرورا بـ«الترويب» لإزالة مسببات العكارة وصولا إلى «التعقيم» باستخدام الكلور وغيره للقضاء على البكتريا الضارة، مضيفا: «لكن فى الترشيح الطبيعى كل ده بيتم بصورة طبيعية داخل التربة»، لافتا إلى تغطية 98.7% من الجمهورية بخدمات مياه الشرب.

ظهرت أنظمة الترشيح الطبيعى فى أوروبا منذ سبعينيات القرن التاسع عشر، فيما بدأت الولايات المتحدة بالعمل بها منذ ما يقرب من 50 عاما، وفقا لتقرير وكالة حماية البيئة الأمريكية EPA.


لكن اختبار وتنفيذ أول وحدة ترشيح طبيعى فى مصر كانت عام 2012 فى إمبابة، بالتعاون مع جامعة دريسدن الألمانية، ولاحقا أبصرت للنور دراسات تتحدث عن إمكانية استخدام ترشيح ضفاف نهر النيل، باعتباره بديلا منخفض التكلفة للمعالجة المسبقة لمياه الشرب، فى ظل ما تعانى منه مصر من ندرة مائية يتوقع أن تتفاقم بسبب النمو السكانى السريع وتغير المناخ.

اعتمدت دراسة منها على حفر آبار استكشافية فى 6 مواقع محتملة بمنطقة إمبابة فى محافظة الجيزة، ومن ثمَّ مراقبة منسوب المياه وجودتها، وخلصت الدراسة التى شارك فى إعدادها الدكتور كمال غديف، الباحث وأستاذ الموارد المائية بجامعة قناة السويس، وتوماس جريشك، بجامعة العلوم التطبيقية دريسدن الألمانية، إلى جدوى الترشيح الطبيعى فى مصر، مشيرة إلى وجود «ظروف هيدروجيولوجية مواتية» على طول نهر النيل فى صعيد مصر، وعلى القنوات الرئيسية فى الأطراف الصحراوية.

وقيّمت دراسة أخرى صدرت نتائجها مطلع العام الحالى، إمكانية استخدام أنظمة الترشيح الطبيعى على ترعة الإسماعيلية، اعتمادا على حفر آبار استكشافية وتركيب البنية التحتية ومراقبة معايير مستوى المياه وجودتها لمدة عام.

وخلُصت الدراسة، التى شارك فى إعدادها «غديف» واستشارى قطاع البحوث فى الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الدكتور رفعت عبدالوهاب، إلى أن الموقع يتمتع بظروف هيدروجيولوجية مواتية، كما بيَّنت أن أنظمة الترشيح الطبيعى خفضت العكارة فى المياه المنتجة بنسبة 96%.


تبين أيضا أن أنظمة الترشيح الطبيعى تقنية صديقة للبيئة فعالة من حيث التكلفة، لأنها لا تستخدم أى مواد كيميائية ولا ينتج عنها نفايات.

تكمن الأزمة فى عدم إتاحة هذه الأنظمة طوال الوقت وعدم ملاءمتها لكل المواقع، فيقول الدكتور كمال غديف إن هذه التقنية معمول بها منذ 100 عام فى نهر الراين (الذى يمر فى فرنسا وألمانيا وهولندا انطلاقا من سويسرا)، لكنها ليست متاحة دائما؛ بمعنى أنها قد تكون مناسبة فى بعض المواقع وغير صالحة فى أخرى».

وعن الظروف المناسبة لاستخدام أنظمة الترشيح الطبيعى، أوضح غديف، فى اتصال هاتفى مع «الشروق»، أن هناك شروطا عامة لاختيار الموقع المناسب، أولها بالطبع أن يكون قريبا من مصدر مائى عذب، مثل نهر النيل فى مصر، وألا يكون قريبا من مصدر تلوث، ووجود اتصال بين الموقع المحتمل ومصدر المياه، بالإضافة إلى عوامل تتعلق بالتربة نفسها بحيث تكون مكونة من الزلط والرمال وليست طينية.

ويشير إلى أن أنظمة الترشيح الطبيعى قادرة على «فلترة» معظم الملوثات، مثل البكتيريا، لكنَّ بعض الملوثات توجد صعوبة فى تنقيتها، وبالتالى الحاجة لمراحل تنقية مكمِّلة.


أسباب أخرى تعزز استخدام هذه الخاصية وهو قدرتها على التعامل مع الحوادث، فضرب مثلا بحادث غرق مركب الفوسفات فى نهر النيل عام 2015، موضحا أن المحطات العادية فى هذه الحالة تتوقف عن إنتاج المياه لحين إزالة مصدر التلوث، بينما وجود ما يسمى بـ«زمن انتقال» فى أنظمة الترشيح الطبيعى يسمح بتأخُّر وصول المياه الملوثة قرابة 30 يوما ما يمكِّن من إيجاد بديل خلال هذه الفترة أو التخلص منها بعد ترشيحها عبر التربة نفسها.

تبين أن أنظمة الترشيح الطبيعى ترشِّد استهلاك المياه مقارنة بالمحطات التقليدية التى تحتاج إلى غسيل الفلاتر والشبكات كل يوم أو اثنين وأحيانا كل ساعات، بينما لا تحتاج هذه التكنولوجيا إلى ذلك.

وأنتجت مصر 11 مليار متر مكعب من مياه الشرب النقيّة بواسطة 2776 محطة فى عام 2021، بواقع 9.9 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل و0.08 مليار متر مكعب من المياه الجوفية، ومليار متر مكعب من المياه الارتوازية (وهى مياه جوفية لا يحتاج استخراجها إلى مضخات)، و0.05 مليار متر مكعب من مياه البحر المحلّاة، وفق نشرة إحصاءات المياه النقية والصرف الصحى، الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى يونيو 2022.

«تقنية خضراء»
فى ظل ما تعانيه مصرمن ندرة مائية يتوقع أن تتفاقم بسبب النمو السكانى السريع وتغير المناخ؛ تتعاظم الحاجة الحاجة لدعم التقنيات الخضراء منخفضة التكلفة، التى منها الترشيح الطبيعى لضفاف الأنهار، التى لا تعتمد على الكيماويات فى الترشيح والتنقية، وتكلفتها 5% تقريبا من المحطات التقليدية، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية «هابيتات» الذى بدأ فى 2017 بالتعاون مع الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى مشروعا لاستخدام أنظمة «الترشيح الطبيعى» فى إنتاج مياه الشرب.



وفى هذا السياق، تقول الدكتورة رانيا هداية، مدير برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الهابيتات) بالقاهرة، إن المشروع شمل تنفيذ 29 وحدة (على مرحلتين) لخدمة 300 ألف نسمة فى 4 محافظات، هى: المنيا والأقصر وأسيوط وسوهاج، بجانب وحدات أخرى نفذتها شركات المياه وبعض الجمعيات.

وبعد دراسات ونماذج تجريبية، أعدت «هابيتات» و«القابضة للمياه» دليلا إرشاديا فى عام 2017 جاء فيه أن «وادى نهر النيل بيئة نموذجية لتطبيق هذا النظام؛ بعد تنظيم جريان المياه فى نهر النيل عقب بناء السد العالى».

وجاء فى الدليل أن أنظمة الترشيح الطبيعى تتمتع بالقدرة على التخلص من العكارة والبكتيريا والطفيليات المُمرِضة ومعظم الملوثات الأخرى دون الحاجة إلى إضافة شبَّه أو كلور أو أية طرق تعقيم أخرى.



«500 موقع مبدئى»

بعد سنوات من الرصد والاختبار والتحليل، باتت مصر تمتلك الآن 500 موقع مناسب لتطبيق هذه التكنولوحيا، من بينها 160 وحدة ترشيح طبيعى تعمل حاليا فى 9 محافظات، هى: بنى سويف، والمنيا، وأسيوط، وسوهاج، وقنا، والأقصر، ودمياط، والدقهلية، والقليوبية، بالإضافة إلى 3 وحدات تجريبية فى محافظة الجيزة (بمنطقة إمبابة) لكنها متوقفة حاليا.

يوضح الدكتور رفعت عبدالوهاب، رئيس قطاع البحوث والتطوير بالشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، أن اختبار وتنفيذ أول وحدة ترشيح طبيعى فى مصر كانت عام 2012 فى إمبابة، بالتعاون مع جامعة دريسدن الألمانية، لافتا إلى أن الشركة القابضة عقدت دورات تدريبية وورش عمل لمهندسى الشركات التابعة فى القرى والمحافظات التى بدأت تطبيق هذه التكنولوجيا منعا للخلط بينها وبين المياه الجوفية، مؤكدا أن كلاهما مختلف عن الآخر.

وأشار عبدالوهاب، فى تصريحات لـ«الشروق» إلى أن الطاقة القصوى لوحدة الترشيح الطبيعى 3 آلاف متر مكعب يوميا ما يجعل تطبيق هذه الأنظمة مناسبا فى القرى، وفى المدن كثيفة السكان تكون وسيلة مساعدة أو مكملة للمحطات التقليدية.

يدلل على ذلك بما حدث فى مدينة قوص فى محافظة قنا، قائلا إنها «كانت بحاجة لزيادة الطاقة الاستعابية لمحطة الشرب التقليدية بنحو 15 ألف متر مكعب فبدلا من توسعة المحطة بتكلفة 150 مليون جنيه نفذنا 5 وحدات ترشيح طبيعى، بإجمالى 2.5 مليون جنيه جنيه فقط، مؤكدا أن أنظمة الترشيح الطبيعى توفر المياه العادمة التى تهدر فى مراحل التنقية فى المحطات التقليدية، وهى تمثل 10% تقريبا من كمية المياه المنتجة.

بعد آخر ينبه إليه رفعت وهو رئيس مشروعات الترشيح الطبيعي في مصر، وهو أن وحدات الترشيح الطبيعى بإمكانها أن تدر دخلا فى المستقبل، موضحا أن تكلفة إنشاء وحدة ترشيح طبيعى تنتج 3 آلاف متر مكعب يوميا لا تتعدى 500 ألف جنيه «يرجعولى فى أقل من سنة» مقابل 15 مليون جنيه لإنتاج نفس الكمية من المحطات التقليدية التى تحتاج إلى سنوات.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك