ينافس الفيلم الفلسطيني No Other Land على جائزة أحسن فيلم وثائقي في حفل توزيع جوائز الأوسكار السابع والتسعين، ضمن قائمة متنوعة من الأعمال، واستطاع الفيلم الاستمرار حتى الجولة النهائية في المنافسة على عكس الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" الذي خرج مبكراً بعض الشيء.
-ما القصة؟
تدور الأحداث في منطقة مسافر يطا، وهي مجموعة من 20 مجتمع قروي صغير في الضفة الغربية، حيث يتعرض سكان المنطقة من الفلسطينيين للنزوح القسري وهدم المنازل والاعتداء المتكرر الذي يصل إلى القتل على يد الجنود والمستوطنيين الإسرائيليين، والشخصيات الرئيسية في الفيلم هما الشاب الفلسطيني باسل والشاب الإسرائيلي يوفال.
تسجل كاميرا باسل ويوفال عمليات الهدم في مسافر يطا التي حدثت من صيف عام 2019 إلى خريف عام 2023.
بدأ الجدل حول هذه المنطقة الفلسطينية في ثمانينيات القرن الماضي، عندما أعلنت إسرائيل المنطقة منطقة عسكرية مغلقة لإطلاق النار، ما يعني أنه لا يُسمح لأحد بالعيش فيها، وبحسب مذكرات من اجتماع عقد عام 1981، عرض وزير الزراعة الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون على الجيش مناطق تدريب إضافية لتقييد "توسع القرى العربية من التلال نحو الصحراء"، وزعمت إسرائيل أن السكان لم يكونوا يعيشون هناك بشكل دائم في السابق، وفقاً لـ بي بي سي، ورفع السكان الفلسطينيون قضيتهم إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، زاعمين أن المجتمعات كانت تعيش هناك منذ أجيال، مشيرين إلى خريطة تعود إلى عام 1945 تظهر بعض القرى، وفي عام 2022، حكمت المحكمة العليا لصالح إسرائيل وسمحت بهدم المنازل، وهو ما يجري بشكل دوري من قوات الاحتلال، وهو ما يشرحه لسان باسل في خلفية المشاهد بأكثر من صيغة منها "كل أسبوع عيلة تانية لازم تختار ترحل أو تتحمل.. أصعب نضال هو الثبات في الأرض".
-لمن صُنع الفيلم؟
كل لقطة في هذا الفيلم الوثائقي موجهة بشكل أساسي إلى "الرجل الأبيض" الساكن في أوروبا وأمريكا، هو من يحاول الفيلم استجداء تعاطفه لعل هذا التعاطف يخلق ورقة ضغط خارجية ضد نظام الاحتلال يتبعها تخفيف لما يجري على أرض الواقع، والفيلم بأكمله يدور في هذا السياق ويهتم بعرض مشكلته على هؤلاء حتى أنه يركز على تأثير زيارات الرجل الأبيض أيا كانت جنسيته على الواقع الفعلي للسكان في المنطقة، مثل زيارة توني بلير إلى منطقة مسافر يطا والقرار التالي لها بعد هدم المدرسة والمنازل الواقعة في الشارع الذي زاره، والتركيز على زيارات الصحفيين الأوروبيين إلى خيمات المصابين من جنود الاحتلال، مثل حالة هارون، إحدى الفلسطينيين الذين إصيبوا أثناء الدفاع عن ممتلكاته في منزله.
وهذا الهدف هو معلن من صناع الفيلم سواء على مستوى الفيلم أو مستوى تصريحاتهم الصحفية، ففي واحد من تصريحاتهما، قالا لمجلة رولنج ستون "إن الوضع في الضفة الغربية "لم يكن سيئًا كما هو الحال اليوم" - ويأملون أن تساعد ضجة الجوائز في إحداث التغيير..الجمهور هو أملنا".
لا يقدم الفيلم جديد على مستوى الحكاية أو الصورة أو السرد التسجيلي، مشاهد القتل والهدم والمعارك التي تسجلها كاميرا باسل ويوفال يتم بثها يوميا في نشرات الأخبار بلغات مختلفة، وتظهر الأمهات أمام الكاميرات يصرخن ويبكين ويواجهن الموت كما يحدث في الفيلم، الذي يتقاطع كثيرا مع مقاطع التقارير الإخبارية، بل يتشابه تقريباً معها دون أي إضافة بصرية، مجرد حدوث أي هدم يهرع باسل بكاميراته من بعيد لتسجيل اللحظة، وذلك جعل من الفيلم حدثا لا ينتهي لأن ذلك أمر مكرر، ويثير التساؤل كيف سوف ينهي الصانع فيلمه، ولكن من الواضح أن باسل ويوفال لم يشغلا بالهما بهذا السؤال واكتفا الثنائي بنهاية العمل بنفس المشهد، الذي حدث في البداية مع اختلاف الشخص، من إطلاق النار على هارون إلى إطلاق النار على ابن عم باسل.
-باسل ويوفال.. والفصل العنصري
تعتبر علاقة باسل ويوفال في الفيلم سلاح ذو حدين، هذه العلاقة التي دائما يتم تصويرها بحميمة شديدة وتعد من أفضل مشاهد الفيلم، يحرص المخرج على تصويرهما سويا في لحظات من الدردشة المسائية غالباً على كراسي أمام منزل عائلة باسل أو داخل محطة وقود أو داخل السيارة.
الوجه الأول الذي يحاول الفيلم عرضه هو نظام الفصل العنصري الذي يتبعه الاحتلال الإسرائيلي، ويمارسه ضد سكان الضفة الغربية ومناطق فلسطين المحتلة، وهذا الفصل قائم في كل تفاصيل الحياة كما يقول باسل "إسرائيل تحكم اللونين.. إنسان أخضر إنسان أصفر.. عالم كامل قائم على الفصل"، ويقصد بذلك ألوان سيارات وإشارات مرور المواطن الفلسطيني "الخضراء" والمحتل الإسرائيلي "الأصفر" والذي يتمتع بحرية كاملة في التنقل.
لكن الوجه الآخر هو يظهر في محاولة طفولية غير ناضجة لتخيل أن الاحتلال الإسرائيلي سوف يكون نظام عادل يوماً ما، يعامل ابنه كما يعامل الفلسطيني، ويعيش الاثنان في سلام وحرية، لذلك نجد في الفيلم سياقات من الحديث بين بال ويوفال توحي بـ "السلام سوف يمنح باسل حرية التنقل وزيارة منزل يوفال"، وتنسى صانع الفيلم أن يوفال وعائلته هم أيضا مستوطنين في منطقة أخرى وقد أخذوا هذه الرقعة للعيش عليها من أسرة فلسطينية، ويمر الفيلم على هذه النقطة مرورا عابرا من خلال سؤال موجه من أحد الفلسطينيين إلى يوفال في سياق الأحداث: "كيف يمكننا أن نبقى أصدقاء، عندما تأتي إلى هنا، وقد يكون أخوك أو صديقك هو الذي دمر منزلي؟".
عُرض فيلم "لا أرض أخرى" لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي العام الماضي، حيث فاز بجائزة الأفلام الوثائقية في مهرجان برلين السينمائي، تم إنتاج الفيلم بين عامي 2019 و2023 من قبل مجموعة إسرائيلية فلسطينية، ويركز على النزوح القسري المستمر للفلسطينيين من منازلهم في مسافر يطا، وهي منطقة في الضفة الغربية المحتلة تستهدفها القوات الإسرائيلية.