جيم جرموش ينتزع آهات الجمهور فى «كان» - بوابة الشروق
الخميس 27 يونيو 2024 6:52 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جيم جرموش ينتزع آهات الجمهور فى «كان»

المخرج جيم جارموش مع فريق العمل في كان
المخرج جيم جارموش مع فريق العمل في كان
رسالة «كان» ــ خالد محمود:
نشر في: الجمعة 20 مايو 2016 - 10:01 ص | آخر تحديث: الجمعة 20 مايو 2016 - 10:01 ص

«باتيرسون».. فيلم يصور الحياة كقصيدة.. ويسير فى اتجاه مغاير لهوليوود.. والسعفة الذهبية فى انتظاره
حكاية سينمائية بسيطة تحمل عمقا كبيرا وحياة لا يغير فيها سوى رقم سنوات العمر
بطل الفيلم ينافس بقوة على أحسن ممثل بمسحة حزن شاعرية

وأنت تشاهد فيلم «باتيرسون» سوف تدرك أن الحياة قصيدة كبيرة تضع انت بنفسك ابياتها، مفرداتها هى ايامك بكل احلامها وانكساراتها، معانيها هى قدرك ونصيبك.

الفيلم هو للمخرج الرائع وفيلسوف السينما جيم جرموش، الذى قدم عملا ينتزع آهات إعجاب الجمهور قبل ان ينتزع السعفة الذهبية التى ربما تنظره وتناديه يوم ٢٢ مايو.

الفيلم لم يطرح موضوعا تقليديا، أو قضية اجتماعية مؤرقة، بل يغوص ببساطة ونعومة داخل وجدان بطله، الذى يحلم بأن يكون شاعرا، فـ «باتيرسون» سائق اتوبيس، يعيش فى مدينة اسمها باتيرسون ايضا، حياته اليومية تكاد تكون متكررة واضحة المعالم، يستيقظ مبكرا فى السادسة والربع صباحا، ينظر طويلا إلى ساعته، ويضعها فى يده قبل ان يحنو على زوجته لحظات ويداعبها قبل مغادرة السرير، يتناول افطاره، يذهب إلى العمل وقبل ان يقود الباص يخط بعض الابيات الشعرية فى اجندته الخاصة، يأتى ايه المشرف، ويسأله باتيرسون: كيف الحال، ويرد المشرف ببعض الجمل التى تؤكد انه يعانى من مشاكل متعددة، بعد انتهاء ساعات العمل يعود باترسون إلى المنزل، يتناول الغداء، ثم يذهب بصحبة كلب زوجته، إلى البار لاحتساء كوب من البيرة.. وهكذا، حياته، باستثناء لحظات قليلة يذهب ليجلس فيها امام نهر صغير ليكتب الشعر.

اترون بساطة الحكاية، لكنها بالفعل تحمل عمقا كبيرا، بين لحظات قصائد الشعر التى يكتبها باتيرسون يوميا فى محاولة للتعبير عن ذاته وكسر حالة الزمن.

وبدت القصائد التى ينظمها البطل لغة حياة لا مكان فيها سوى للحلم والتفاهم والود، صورة بها كثير من التأمل الذى يفرضه الشعر، كثير من الرضى والتعامل بلطف مع الآخر.

السيناريو ذكى للغاية فى اعادته وتكراره لمشاهد وعادات، وكأن حياتنا عبارة عن أيام متشابهة تعيد نفسها، فقط لا يتغير سوى رقم سنوات العمر، وهنا تكمن القدرة الابداعية لجرموش.. المدينة التى تدور فيها الاحداث «باتيرسون» عاش فيها مجموعة من الشعراء يوجه لهم المخرج تحية كبيرة بذكر اسمائهم واعمالهم.

تلك كانت حالة الزوجين، فى الفيلم الذى تدور احداثه فى ثمانية ايام، عام 2000، فى نيوجرسى، فى عالم هادئ، حتى وقت أن جاءت لحظة عاصفة، حينما قام الكلب الذى يغار من حنان باتيرسون لزوجته «لورا»، بتمزيق الاجندة التى يكتب فيها باتيرسون الشعر، ويمزق القصائد، حتى فى تلك اللحظة التى شعرنا فيها بشىء ما ينهار فى حياة البطل تعامل معها بهدوء، ولم يظهر غضبا، وتقبل بود اعتزار زوجته، تصرف كأنه بحق شاعر، يحمل مشاعره كلها بداخله، ووقفت زوجته التى تعشق كساء كل الاشياء بالابيض والاسود، وتحلم بأن تصبح عازفة جيتار شهيرة، تشجعه على الكتابة من جديد وانه سيصبح شاعرا كبيرا.

بعد هذه اللحظة الحاسمة، يجلس باترسون فى مكانه المعتاد امام النهر، ويأتى شخص يجلس بجواره، وهو ممسك بديوان شعر، ويدخل فى حوار مع باتيرسون، ويسأله هل تكتب الشعر، ويرد باتيرسون لا، ثم يعطيه الرجل هدية عبارة عن كراسة فارغة، وكأنه القدر الذى يعيد باتيرسون إلى حلمه من جديد، ويبدأ بالفعل فى كتابة قصيدة جديدة مع مشهد النهاية الاكثر تأثيرا وعمقا لأن الوقت يمر وكذلك الحياة. بينما يبدو مشرف الباص زميل باتيرسون دائم الشكوى يظهر هو سعيدا راضيا كأنه عالج حياته من المشكلات بقرار شخصى.

اختيار جارموش للمثل آدم دريفر، لاداء دور سائق الباص كان اختيارا موفقا للغاية، فقد قدم دريفز اداء رائعا، وغاص فى الشخصية التى اراها صعبة للغاية، لكونها تحتاج إلى ممثل يدرك جيدا عمق الشخصية، ويملك مسحة الحزن الشاعرى وهو عنصر ملازم فى اعمال جرموش، وهو ما يجعل ممثلنا ينافس بقوة على جائزة احسن ممثل، وسوف يلمع نجمه خلال السنوات القادمة، بينما منحت الممثلة الايرانية الفرنسية غولشيفته فرحانى، شخصية لورا مذاقا خاصا، مهدت طريق الامل لزوجها فى دنيا أقرب إلى الجنة. والواقع ان من اهم ملامح سينما جرموش انها تبدو دائما فى عالم مرتب.

طرح المخرج الامريكى جارموش الذى تعلم حب السينما مبكرا من أمه التى كانت بالنسبة له اعظم ناقدة، رؤيته ببساطة، كمؤلف ايضا للعمل، ولعله فى هذه البساطة تحديدا، تكمن الحياة، وهو ما يمنح الفيلم مكانته الخاصة، واختلافا عن السينما الهوليوودية الشائعة، ويجعله ايضا مرشحا بقوة لنيل الجائزة الكبرى فى كان، منافسا حقيقيا للالمانية مارين ادى مخرجة فيلم «طونى ايردمان»، وللبريطانية اندريا ارنولد وفيلمها «العسل الامريكى» والذين قدموا اعمالا أكثر حداثة وارتباطا بالواقع دون التخلى عن سحر التركيبة الفنية، وقد فاز جارموش بتلك الجائزة من قبل عن فيلمه «قهوة وسجائر» عام ١٩٩٣، وتلاها فوزه باكثر من جائزة فى المهرجان كان بينها الجائزة الكبرى عن فيلمه «بروكن فلاور».

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك