محمود محيي الدين يكتب: عن «جاكسون هول» واستقلال البنوك المركزية - بوابة الشروق
الخميس 12 سبتمبر 2024 4:38 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمود محيي الدين يكتب: عن «جاكسون هول» واستقلال البنوك المركزية

محمود محيي الدين
محمود محيي الدين

نشر في: الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 6:39 م | آخر تحديث: الأربعاء 21 أغسطس 2024 - 6:39 م

تترقَّب الأسواق ما سيسفر عنه المؤتمر السنوى للبنك الفيدرالى الأمريكى، الذى سيعقد فى الفترة من 22 حتى 24 أغسطس، فى منتجع جاكسون هول بولاية وايومينج. ويشارك فى هذا الملتقى على ما جرت العادة قادة البنوك المركزية الرئيسية ونخبة من متخذى القرار والاقتصاديين، لتبادل الآراء فى شكل ندوات ينظمها البنك الفيدرالى لكانساس سيتى، حول السياسات الاقتصادية والمتغيرات المختلفة المحلية والعالمية التى تؤثر فيها وتتأثر بها. وتحظَى التصريحات المرتقبة لرئيس مجلس الاحتياطى الفيدرالى جيروم باول عن توجهات السياسة النقدية باهتمام خاص بعدما شهدته البورصات العالمية، بعد الاجتماع الأخير للفيدرالى الأمريك»، من تقلبات حادة.
ومع تنوع الموضوعات الفرعية التى سيتناولها الملتقى، فإنَّها ستركز فى مجملها على «إعادة تقييم فاعلية وتأثير السياسة النقدية»، والمتوقع أنَّ كلمة جيروم باول ستستعرض خريطة طريق أسعار الفائدة، مع حرص فى انتقاء الكلمات التى لن ترصدها فقط أسواق المال، لكنْ المتنافسان على مقعد البيت الأبيض، كامالا هاريس ودونالد ترامب، مع اقتراب انتخابات الرئاسة الأمريكية فى نوفمبر. وتتوقع الأسواق أن يكون الخفض بين ربع إلى نصف نقطة مئوية فى اجتماع سبتمبر المقبل، وتتبع ذلك تخفيضات أخرى خلال الاجتماعات المقبلة حتى نهاية العام المقبل، ليصل سعر الفائدة إلى 4٫75 فى المائة مع نهاية هذا العام ثم تتراوح بين 3٫5 فى المائة و3٫75 فى المائة فى نهاية عام 2025.
ولكل من المرشحين آمالٌ متعارضةٌ فيما سيكون عليه قرار البنك الفيدرالى من حيث خفض أسعار الفائدة. فمن الطبيعى أن تأمل هاريس ألا يستمر البنك الفيدرالى فى تأخّره فى خفض أسعار الفائدة، مع ازدياد التخوفات من دخول الاقتصاد فى حالة من الركود. بينما أفصح ترامب من قبل عن أمله فى أن يصاب الاقتصاد الأمريكى بصدمة، ذلك لكى تتعلق به أصوات الناخبين غير محسومة التوجه بعد، كمنقذ للاقتصاد بسابق أداء جيد فى دفعه للانتعاش فى فترة حكمه المنتهية فى 2020. ولكن لا يملك المرشحان شيئا من أمر السياسة النقدية إلا الأمل فى أن تسهم قرارات الفيدرالى، الذى يتمتع باستقلال سياسى، فى تعزيز فرصهم الانتخابية.
وقد رصد الاقتصادى الأمريكى، بول كروجمان، الحائز على جائزة نوبل، مواقف المرشحيْن للرئاسة من حيث استقلال البنك المركزى. إذ عقبت هاريس على اقتراح ترامب بأن تكون للرئيس المنتخب سلطة فى قرارات أسعار الفائدة، بالرفض القاطع لمقترحه مؤكدة أن الفيدرالى جهة مستقلة، وأنَّها لن تتدخل مطلقا فى أى قرار يتخذه؛ وهى بهذا تعبّر عن الرأى السياسى المستقر.
وقد شرحت أهداف استقلال البنك المركزى، وآليات تحقيقها تفصيلاً فى مقال سابق نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» الغراء فى شهر يونيو من العام الماضى؛ أكدت فيه أنه لا يوجد خلاف يذكر حول ضرورة استقلال البنك المركزى فى وظيفته المتعلقة بالرقابة المالية الحصيفة على البنوك، وتحقيق الاستقرار المالى، ولكن الخلاف يظهر فيما يتعلق بهدف السيطرة على معدلات التضخم، وإذا ما كان من الواجب أن تترك إدارة السياسة النقدية للبنك المركزى وحده.
والمدافعون عن استقلال البنوك المركزية يستشهدون بمؤشرات للاستقلال، مثل الصلاحيات القانونية الممنوحة للبنك المركزى فى تحديد أهدافه واستخدام أدواته، وحوكمته وسلطة تعيين محافظه ومجلسه، والشروط الواجب توافرها فيهم وفترات المجلس، والجهة المسئول أمامها البنك المركزى ويقدم لها تقاريره.
والاستقلال فى المقام الأول هو حماية للبنك المركزى، والجهاز المصرفى من ورائه والمودعين والمقترضين، من التدخل السياسى فى قرارات فنية بطبيعتها، وعدم تغليب الأهداف السياسية قصيرة الأجل على هدفى تحقيق الاستقرار النقدى والاستقرار المالى، وعدم منح الحكومة رخصة للاقتراض التلقائى دون ضوابط.
ويبقى التطبيق العملى للصلاحيات الواسعة التى يتمتع بها البنك المركزى محل اختبار مستمر للتحقق من جدارته بها. وقد تعرضت السلطات النقدية فى بلدان متقدمة لمشكلات حادة فى قدرتها على توجيه سياساتها بين البدائل المتاحة، بما عرض مصداقيتها للتساؤل، خصوصا مع تأخر بعضها فى اتخاذ قرار رفع الفائدة حين كان الرفع واجبا فلم تحتوِ الضغوط التضخمية مبكرا، كما تأخرت مرة أخرى فى الخروج من حالة التقييد النقدى إلى التيسير فيه بما هدد الاقتصادات بالدخول فى حالة ركود.
جدَّد هذا الدعوة لمراجعة قواعد الحوكمة والصلاحيات الممنوحة للبنوك المركزية ــ كسلطات مستقلة غير منتخبة ــ وحاجتها لضوابط، منها ما جاء فى اقتراح الاقتصادى بول تكر، نائب محافظ بنك إنجلترا السابق، عن تفعيل حصيف لمبادئ التفويض، ووضع فريق من المفوضين الأكفاء لمتابعة قيام البنوك المركزية بواجباتها.
ويشيد ستيفان جيرلاتش، صاحب الخبرة العملية فى السلطتين النقديتين فى هونج كونج وأيرلندا، بالأداء المتميز للسلطة النقدية فى سنغافورة التى حافظت على متوسط معدل تضخم بمقدار 2 فى المائة سنويا منذ اعتماد إطار السياسة النقدية فى مطلع الثمانينيات. ورغم أن أربعة وزراء من الحكومة ممثلون فى مجلس السلطة النقدية مع وجود ضمانات، أكدتها الممارسة الكفؤة، بعدم تدخل الحكومة فى السيطرة على السياسة النقدية.
إذن، فالاستقلال الشكلى للبنك المركزى أو المظهر القانونى للاستقلال يتضاءلان أهمية بالمقارنة بالممارسة فى تمكين البنك المركزى من القيام بعمله، وتحديده لأدوات السياسة النقدية دون تدخل، مع المساندة السياسية لتحقيق هدف السيطرة على التضخم بتنسيق محكم مع السياسات العامة. ولننتظر ما سوف تسفر عنه مناقشات «جاكسون هول»؛ فهى ستتجاوز فيما ستسفر عنه حدود المنتجع الجبلى والاقتصاد الأمريكى.

نقلا عن: «الشرق الأوسط»



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك