وقال قصر الإليزيه، الثلاثاء 23 من أغسطس، إن الرئيس ماكرون، اختار توجيه "هذه الزيارة نحو المستقبل (بالتركيز على) الشركات الناشئة والابتكار والشباب والقطاعات الجديدة".
ماذا يريد الطرفان من الزيارة؟
وتكتسب توطيد العلاقات مع الجزائر أهمية قصوى للمسؤولين الفرنسيين، خاصة في ظل أزمة الطاقة التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية، ما أدى إلى زيادة الطلب على غاز دول شمال إفريقيا.
وتعد الجزائر من أكثر دول العالم إنتاجا وتصديرا للغاز. وحديثا، أعلنت مجموعة سوناطراك الجزائرية للمحروقات، يونيو 2022، الكشف عن احتياطات جديدة من الغاز، تصل 340 مليار متر مكعب.
وقالت سوناطراك إن "هذا الحجم من الغاز يشكل واحدة من أكبر عمليات إعادة تقييم الاحتياطيات خلال العشرين سنة الماضية".
وهذا يزيد من أهمية الجزائر في ظل احتياج فرنسا الشديد لتوفير مصدر طاقة بديل عن الغاز الروسي.
في المقابل، تريد الجزائر الاستفادة من ارتفاع أسعار الطاقة لتأمين عقود كبيرة ومشاريع استثمارية دائمة مع فرنسا، كما فعلت بالفعل مع إيطاليا وتركيا، لتأمين إيرادات مالية تساعدها في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وركود عالمي منتظر.
وتعليقا على الزيارة، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول جزائري لم تسمه أن "الجزائر تريد علاقات اقتصادية قوية وشراكة جادة".
ملف آخر، لا يقل أهمية لفرنسا وهو ملف مالي. إذ تسعد فرنسا لإعلان استراتيجيتها الجديدة المتعلقة بمالي، بعد إعلانها الانسحاب من مالي، في فبراير 2022، بعد تسع سنوات من تواجدها هناك.
ولا يمكن تصور استراتيجية فرنسية ناجعة دون التنسيق مع الجزائر، خاصة أن النظام الجزائري يرتبط بعلاقات جيدة مع السلطة القائمة في مالي.
كذلك بخصوص الملف الليبي، يرى فريق من المحليين أنه إذا رغبت فرنسا ضمان مصالحها في ليبيا، فقد يكون من المفيد لها التنسيق مع الجزائر.
من جانبها، تطالب الجزائر فرنسا بتقديم اعتذار رسمي عن الجرائم التي اقترفتها خلال فترة الاستعمار. ويشكل هذا المطلب معضلة كبيرة لكل الرؤساء الفرنسيين الذين يرفضون فكرة تقديم اعتذار رسمي للمستعمرات السابقة.
وكانت فرنسا، قد خفضت عدد التأشيرات التي تمنحها لمواطني الجزائر، في أكتوبر 2021، ردا على رفض الجزائر إعادة استقبال مهاجرين غير شرعيين من أصول جزائرية ترغب فرنسا في ترحيلهم عن بلادها.
وانتقدت الجزائر القرار الفرنسي، في حينها، وقالت إنه جاء دون تنسيق مسبق أو التشاور معها.
"الجزائر تبحث عن تحالفات جديدة"
ويبدو أن الجزائر تحاول تنويع تحالفاتها، إذ أعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، اهتمام بلاده بالانضمام لمجموعة "بريكس" الاقتصادية، التي تضم الصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل.
وقال تبون، في لقائه الدوري مع الصحافة الوطنية، نهاية يوليو الماضي، إن مجموعة "بريكس" تهم الجزائر بالنظر لكونها "قوة اقتصادية وسياسية"، معتبرا أن الانضمام إليها سيبعد الجزائر عن "تجاذب القطبين" .
وتمثل مجموعة "بريكس" عددا من الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم.
ويشكل حديث تبون تحولا عميقا في التوجهات الاقتصادية الجزائرية، إذا كانت الجزائر، إلى وقت قريب، تعتبر الاتحاد الأوروبي وفرنسا أقرب شركائها التجاريين.
وتتزامن زيارة ماكرون مع استعداد الجزائر للبدء في تدريس اللغة الإنجليزية لتلاميذ المرحلة الابتدائية، انطلاقا من شهر سبتمبر 2022.
وكان الرئيس الجزائري قد قال، في 30 يوليو، إن "اللغة الفرنسية غنيمة حرب، لكن اللغة الدولية هي الإنجليزية"، وإنه يريد أن تدخل "الجزائر إلى العالمية".
وتبدو أن الإشارات المتتالية التي صرح بها تبون تدل على رغبته في السير بالجزائر بعيدا عن فرنسا.
وينقسم الجزائريون بين منتقد للزيارة لا يجد فيها منفعة لبلاده وبين من يرى إمكانية تأسيس علاقة جديدة مع فرنسا تقوم على فكرة المصالح المتبادلة وأن تعترف فرنسا بأخطائها.