ماذا يحدث عندما ينفد الغذاء؟ - بوابة الشروق
الخميس 27 يونيو 2024 2:18 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا يحدث عندما ينفد الغذاء؟


نشر في: الجمعة 29 مارس 2019 - 11:32 م | آخر تحديث: الجمعة 29 مارس 2019 - 11:32 م

كان ريشاد تربونيا شابا عاديا يعيش في مدينة حديثة ومزدهرة سبق وأن احتضنت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية. لكن في الخامس من إبريل/ نيسان 1992، أصبح موطنه فجأة معزولا عن العالم الخارجي.

ولم يخطر ببال تربونيا ونحو 400 ألف شخص من سكان مدينة سراييفو أن الحصار الذي فرضه جيش صرب البوسنة على المدينة سيمتد لقرابة أربعة أعوام. وظل سكان سراييفو طيلة سنوات الحصار في مرمى نيران المدفعية ورصاص القناصة، حتى أن مجرد عبور الشارع أو الوقوف في طابور الخبز كان يمثل خطرا على حياتهم.

لكن بخلاف الأعيرة النارية والرصاص، ثمة خطر آخر كان يحيق بسكان سراييفو من الداخل، وهو الجوع.

يقول تربونيا: "سرعان ما نفد مخزون الغذاء بالمدينة، وخلت المتاجر من المواد الغذائية، والكثير منها تعرض للنهب. ولا تكفي الثلاجات في المنازل لاستيعاب الكميات التي تسد بها جوع أسرة كاملة".

وأودى الحصار بحياة 11,500 شخص في سراييفو، الكثير منهم راحوا ضحايا القصف والشظايا والرصاص، لكن بعضهم مات جراء البرد والجوع.

ورغم ذلك يقول تربونيا إن أهل سراييفو ضربوا مثالا في الصمود. إذ كان بعض السكان يزرعون الخضروات في الحدائق العامة ويتبادلون مع جيرانهم البذور لزراعة الخضروات في شرفاتهم.

ويشير إلى أنه لولا شحنات الإغاثة الإنسانية التي أرسلتها الأمم المتحدة أثناء الحصار عبر مطار سراييفو بعد أن نجحت القوات الكندية التابعة لقوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في إعادة فتحه، لما بقي أحد من سكان سراييفو على قيد الحياة.

وكان معظم السكان يعيشون على مساعدات الأمم المتحدة، لكن الأثرياء منهم كانوا يقايضون ممتلكاتهم الثمينة مثل المجوهرات مقابل الحصول على المزيد من الطعام. ولم يجد البعض شيئا سوى التبرع بالدم في مستشفى المدينة للحصول على علبة من لحم البقر.

ويقول تربونيا: "كنا نبحث أيضا في الكتب عن النباتات الصالحة للأكل، وكنا نعيش أحيانا على شريحة خبز وكوب من الشاي، وأحيانا لا نجد شيئا نأكله".

ربما يجد البعض صعوبة في تصديق أن هذه المأساة وقعت في قلب أوروبا منذ 30 عاما. لكن المجاعات أيضا ليست شيئا من الماضي. إذ يخيم في الوقت الراهن، شبح أسوأ مجاعة منذ الحرب العالمية الثانية على العالم بسبب الصراعات والاضطرابات السياسية وموجات الجفاف.

وذكر نظام التحذير المبكر من المجاعات في الولايات المتحدة أن 85 مليون شخص في 46 دولة سيحتاجون إلى مساعدات غذائية طارئة في عام 2019. وقدر برنامج الأمم المتحدة للأغذية عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بنحو 124 مليون شخص.

وزاد عدد الأشخاص الذين يعيشون على شفا المجاعة بنسبة 80 في المئة منذ عام 2015، وكان أكثر البلدان تضررا من المجاعات جنوب السودان واليمن وشمال غرب نيجيريا وأفغانستان.

ويقول أليكس دي فال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي بجامعة تافتس بولاية ماساتشوستس، إن عدد ضحايا المجاعات تراجع منذ الثمانينيات من القرن الماضي، بسبب نمو الأسواق العالمية وتحسن البنية التحتية وأنظمة المساعدات الإنسانية، ولم تعد تعاني مجتمعات بأكملها من الجوع.

لكن في العامين الآخيرين أطل شبح المجاعات برأسه مجددا، بسبب الحروب والنظم السياسية الفاشلة.

ويقول دي فال: "من الصعب تجويع شعب يتمتع بقدرة فائقة على الصمود، إلا في ظل حكومة فاشلة تضع سياسات تحرم الشعب من احتياجاته الأساسية وتسهم في تدهور البيئة. وهذا ما أدى إلى حدوث مجاعات في بعض الدول مثل سوريا وجنوب السودان واليمن".

ومن مفارقات العصر الحديث أن سلاسل إمداد الطعام العالمية والتجارة الدولية سهلا انتقال المحاصيل الزراعية من بلد لآخر عبر المحيطات في غضون أيام، وأصبحت المتاجر عامرة بالخضروات والفاكهة المستوردة من جميع أنحاء العالم، حتى في الدول المجاورة لتلك التي تعاني من المجاعات.

لكن الدول الغنية أيضا ليست بمنأى عن نقص الغذاء. وقد ينعدم الأمن الغذائي فيها دون أن تخوض حروبا أو تشهد كوارث طبيعية.

وخير مثال على ذلك فنزويلا، الدولة الغنية بالنفط، إذ أدت الأزمة السياسية التي تفجرت بسبب التضخم الجامح إلى نقص الغذاء والدواء، مما دفع الملايين إلى مغادرة البلاد واضطر الكثيرون إلى العيش على اللحم الفاسد. وواجهت اليونان نقصا في الغذاء في أعقاب أزمة الديون التي دفعت اقتصاد البلاد إلى حافة الانهيار.

وفي الوقت نفسه، أدى انتشار الأمراض وسوء الأحوال الجوية وارتفاع الأسعار إلى نقص الكثير من المحاصيل الزراعية الأساسية في السنوات الأخيرة.

وفي عام 2000، اندلعت احتجاجات في المملكة المتحدة ضد رفع أسعار الوقود وقادت المتاجر إلى تقنين حصص المواد الغذائية. وحتى في الوقت الحالي، عمدت الكثير من المدارس ودور الرعاية والمستشفيات في بريطانيا إلى تخزين كميات من المواد الغذائية تحسبا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون التوصل إلى اتفاق.

وقدرت منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة عدد الأشخاص الذين يعانون سوء التغذية بنحو 821 مليون شخص في العالم. وفي الولايات المتحدة، يعاني 12 في المئة من الأسر من انعدام الأمن الغذائي ولا يحصل 6.8 مليون طفل على الطعام الكافي.

ألم الجوع
وعن تأثير الجوع على الشخص، يقول برادلي إليوت، عالم نفس بجامعة ويستمنستر، إن وزن الشخص سينقص على المدى القصير، مشيرا إلى أن الجسم يتأقلم مع فقدان الوزن بطرق مدهشة، فعندما يفقد الجسم 20 في المئة من الوزن يستهلك طاقة أقل بنسبة 50 في المئة. ثم تنخفض درجة حرارة الجسم ويشعر المرء بالخمول والإنهاك، وفي النهاية تتوقف أعضاء الجسم واحدا تلو الآخر ما عدا الدماغ.

ويضيف: "يتأثر الكبد والكلى، وتضعف قدرة الجسم على تنظيم ضغط الدم، مما يؤدي إلى فقدان الوعي".

وسرعان ما يعاني الشخص من أمراض الإسقربوط والبلاغرا بسبب نقص الفيتامينات والمعادن. ويقع الأطفال فريسة للأمراض قبل البالغين.

ويتوقف بقاء الشخص على قيد الحياة على وزن جسمه ومخزون الدهون في الجسم والأمراض التي يعاني منها بالفعل. وتكون النساء أكثر قدرة على الصمود من الرجال. لكن بشكل عام، يموت الشخص عندما يصل إلى نصف الوزن الطبيعي، وفقا لمؤشر كتلة الجسم، بعد ما يتراوح بين 45 إلى 61 يوم من التوقف عن تناول الطعام.

أما على المدى الطويل، فيؤثر الجوع على الطول، ويؤدي إلى التقزم. إذ لوحظ أن الأشخاص الذين كانوا في عمر عام وثلاثة أعوام أثناء المجاعة التي ضربت الصين من عام 1959 إلى 1961، أقصر من نظرائهم بنحو 2.1 سنتيمتر. كما كان تحصيلهم الدراسي أقل من غيرهم. وارتفعت معدلات الإجهاض بين النساء أثناء المجاعة.

وخلصت دراسات إلى أن الأشخاص الذين عاصروا المجاعات في طفولتهم كانوا أكثر عرضة للإصابة بالكثير من المشاكل الصحية عند البلوغ مثل ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري وأمراض القلب.

لكن المجاعات لها انعكاسات أخرى تتعدى الصحة البدنية، إذ تراجعت في الصين طاقة العمال الإنتاجية بواقع 25 في المئة أثناء المجاعة، مما أثر سلبا على الناتج الإجمالي المحلي. ويتقاضى الإثيوبيون الذين عاصروا المجاعة دخلا سنويا أقل من دخل أقرانهم بنسبة تتراوح بين ثلاثة وثمانية في المئة.

وكشفت دراسة أجرتها أوناغ والش، أستاذة دراسات النوع الاجتماعي بجامعة غلاسكو كالدونيان، عن ارتفاع أعداد المرضى الذين أحيلوا إلى المصحات النفسية أثناء المجاعة الإيرلندية التي امتدت من عام 1841 إلى عام 1851.

وتقول والش: "بعض الناس دخلوا إلى المصحات النفسية للحصول على وجبات مجانية، لكن بشكل عام أثر الجوع على طريقة تفكير الناس. وكانت المجاعة أشد وطأة في الساحل الغربي رغم وفرة الأسماك. إذ اضطر السكان إلى بيع كل ممتلكاتهم بما فيها شباكهم ومراكبهم. ولجأ البعض إلى نصب شراك لاصطياد الطيور وأكل الحشائش والقش".

وسائل التكيف مع الجوع
عندما ضربت هولندا مجاعة أثناء الحرب العالمية الثانية خلال عامي 1944 و1945، شرع الشعب الهولندي في البحث عن الفطر والنباتات، التي لا تؤكل في المعتاد، ليسدوا بها رمقهم.

واستعان الهولنديون بكتب الطهي القديمة بحثا عن طرق تحضير النباتات البرية، وأرشدهم كبار السن إلى طرق جمع البناتات الصالحة للأكل وطهيها.

ويقول تيند فان أنديل، أستاذ تاريخ النباتات بجامعة ليدن بهولندا: "كان سكان المدن ينظمون رحلات إلى الأراضي الزراعية لتحويلها إلى بساتين خضروات. وكانوا يربون الأرانب في الأفنية، وبعضهم كان يسرق علف الحيوانات من المزارع".

وتحول الكثير من حدائق لندن الملكية أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية إلى حيازات زراعية وبساتين لتوفير المحاصيل الغذائية.

ودفعت مخاطر انعدام الأمن الغذائي الكثير من الناس إلى التفكير في المهن التقليدية. ففي أعقاب الأزمة الاقتصادية في اليونان، زادت طلبات الالتحاق بمعاهد وكليات الزراعة.

ويقول أليكس دي فال، إن سكان الريف أكثر قدرة على التكيف مع المجاعات مقارنة بنظرائهم في المدن. فإن سكان المناطق المعرضة للمجاعات لديهم مزارعهم وطرقهم الخاصة التي تساعدهم على تفادي الموت جوعا.

ويرى ريشاد تربونيا، أن سراييفوا صمدت في وجه الحروب ونقص الغذاء لسبب آخر. ويقول: "أصبحت المدينة بأكملها كالعائلة الكبيرة، يسود بين أفرادها التآلف والرحمة، وكنا نتشارك في كل شيء. كنت محظوظا لأرى سراييفو، في أوقات المحن والشدة، أروع من أي وقت مضى."



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك