توفي الفنان أحمد عدوية، مساء أمس الأحد، عن عمر ناهز 79 عاما، بعد تجربة طويلة وحضور قوي في تاريخ الطرب الشعبي في مصر.
ووصف الكاتب عبدالرحيم كمال تجربة عدوية بأنه مطرب شعبي تألق في السبعينيات ووصل إلى مكانة لم يبلغها أي مطرب شعبي من قبله، محققًا جماهيرية واسعة وشعبية اجتمعت عليها مختلف الطبقات، وكان محبوبًا من العوام والمثقفين على حد سواء، ونال إعجاب رموز بارزة مثل نجيب محفوظ، وعبدالحليم حافظ، وعادل إمام.
وكانت البداية في يونيو 1945 بمحافظة المنيا، حيث ولد أحمد مرسي علي عدوي، وشهرته أحمد عدوية، وبعد الانتقال للقاهرة بدأ مشواره الفني من شارع محمد علي.
ويعد الموسيقار بليغ حمدي من أكثر داعميه ولحن له أغنيات "القمر مسافر" و"ياختي اسملتين" وغيرها، كما وصفه الأديب العالمي نجيب محفوظ بأنه "مغني الحارة".
وقدم الكاتب الصحفي سيد محمود دراسة بالإنجليزية عن الفنان الكبير أحمد عدوية من منظور النقد الثقافي، وقد نشرت كفصل في كتاب الموسيقى والتاريخ تحرير الدكتور محمد الدكتور محمد عفيفي وصدر عن دار "العين" للنشر في سنة 2013.
وجاء من بين الدراسة أن ظهور أحمد عدوية كانت الظاهرة التي أقلقت النخبة في أواخر الستينيات والسبعينيات، وشهرته خلال سنوات السياسات الاقتصادية للرئيس أنور السادات.
رافق الانفتاح الاقتصادي تغييرات أخلاقية كبيرة، وسّعت الفجوة بين الطموحات الاستهلاكية للطبقات المتوسطة والمحرومة من جهة، وبين دخولها المتواضعة من جهة أخرى.
-رواج مع الكاسيت
ظهر عدوية في سياق فني انقسمت فيه الأغاني إلى 3 فئات رئيسية، الفئة الأولى كانت مرتبطة بالألحان العربية الكلاسيكية، بهدف الحفاظ على الهوية الوطنية التي تضررت بعد هزيمة 1967.
أما الفئة الثانية، فتمثلت في أولئك الذين لجأوا إلى الأغنية الغربية للتعبير عن نوع من الرفض والاستياء تحت تأثير صدمة الهزيمة، أما الفئة الثالثة، فقد تجلت في أغاني عدوية، حيث عبّرت عن الإحباط والسخرية، ما أدى إلى نجاح كبير لهذا النوع الموسيقي.
عارض عدوية رموز الأغنية الكلاسيكية مثل عبدالوهاب، أم كلثوم، وعبدالحليم، الذين ظلوا مخلصين للمواضيع الرومانسية والوطنية، واستمدوا شرعيتهم من التسجيلات والراديو، أما عدوية، فكان تعبيرًا عن عالم موازٍ على الهامش، اعتمد على وسيلة جديدة: شريط الكاسيت الذي أدخله المغتربون الذين عملوا في دول الخليج العربي إلى مصر.
- عدوية: نجم المهمشين والمتحدث باسم المهمشين
وتضمنت الدراسة، فقد الناس الثقة في الأغاني القديمة بعد هزيمة يونيو، كما في النظام السياسي الحاكم، وقد أثّر هذا الواقع سياسيًا وفنيًا، مثل محاولات محمد نوح لتكوين مجموعات غنائية جماعية، وبالمثل تبنّى المغنون العرب-الفرنسيون موضة الأغاني الخليجية التي كانت في صعود، خاصة في الملاهي الليلية.
وأصبحت الأغنية الشعبية تعبيرًا عن المهمشين والمنسيين بسبب سياسة الانفتاح، وأصبح عدوية نجمهم والمتحدث باسمهم.
وكانت كلمات أغانيه تعكس أحلامهم في التقدم الاجتماعي، في وقت كانت فيه القيم الأخلاقية والإنجازات العلمية تتراجع بشدة أمام قوانين السوق وقواعد التجارة الجديدة.
-حداثة سطحية
شجعت الدولة القطاع الخاص في جميع المجالات، بما في ذلك الثقافة، وأهملت القطاع العام تمامًا، تاركة الباب مفتوحًا على مصراعيه للنزعات التجارية، التي كانت أحيانًا مبتذلة، وهكذا انتشرت الأفلام التي تناولت الجنس والمخدرات، والتي كانت تُنتج بتكلفة منخفضة نسبيًا وفي وقت قصير، بالإضافة إلى المسلسلات الأمريكية التي أبرزت القيم الرأسمالية والغربية.
وشهدت مصر في تلك الفترة ما وصفه عالم الاجتماع أحمد زايد في كتابه تناقضات الحداثة المصرية (2005) بـ"مرحلة الحداثة السطحية."
وتتميز هذه المرحلة بالميل إلى الاستهلاك وإشباع الحاجات الأساسية على حساب القيم الأصيلة، هذه الحداثة السطحية شوهت التقاليد والتراث الثقافي، كما شوهت جوانب الحداثة ذاتها.
-تجربة غنية ومتنوعة لم تسلم من سيف نقد النخبة
قبل ظهور أحمد عدوية، كانت هناك نسخة أكثر رسمية من الأغنية الشعبية، لكن الأغنية الجديدة التي قدمها جاءت لتعبر عن أجواء مختلفة من خلال تناول موضوعات مثل الازدحام والقدرة على التكيف، ومواجهة المؤسسات، وخصوصًا، وقفت ضد أجهزة الإعلام الحكومية التي هيمنت على المشهد، ومثّلت الثقافة المهيمنة.
ويتضمن ذلك أشكالًا مختلفة من التمييز، كما أشار الناقد السعودي عبدالله الغذامي في كتابه النقد الأدبي، الذي تحدث عن تهميش العديد من الفنانين والكتاب في ذلك الوقت، بالإضافة إلى ذلك، قال الملحن محمد قبيل في ذلك الوقت، إن نجاح أشرطة عدوية، التي بيعت بأعداد كبيرة، جعله متحدثًا باسم سائقي التاكسي والميكروباص.
وتعرض عدوية لكل الانتقادات التي توجه اليوم لمغنيي المهرجانات، وفي نظر النقاد، كانت هذه الأغاني بلا معنى، لكن كان هناك ملايين أحبّوها ووجدوا فيها عزاءً قادرًا على أن ينسيهم واقعهم المؤلم.
عدوية وخلفاؤه، الذين صُنّفوا كمغنين شعبيين، تعرضوا للانتقاد من قبل النخبة التقليدية التي كانت تخشى فقدان مكانتها المميزة ولهذا كانت هذه النخبة صاخبة في انتقادها لثقافة الجماهير ولم تحتضن غنى وتنوع هذه الظاهرة.