أيا كان رأينا فيما يفعله الإعلامى توفيق عكاشة، الذى أصبح نائبا فى مجلس النواب، فإنه باستقباله السفير الإسرائيلى فى منزله ألقى حجرا ثقيلا فى الحياة العامة. ويصعب أن ننزع الموضوع من سياقه، فإن هناك سفيرا إسرائيليا جديدا قادما إلى مصر، وآخر مصريا قدم أوراق اعتماده منذ أيام إلى الرئيس الإسرائيلى، وحديث عن اتصالات كثيفة بين الجانبين.
أمضى الشعب المصرى العقود الثلاثة الماضية وفق اقتناع بأن اتفاقية السلام عقدتها السلطة السياسية، وبالتالى فإن العلاقات مع إسرائيل تخص السلطة، خاصة أجهزتها السيادية، أما التطبيع على المستوى الشعبى فهو يرتطم برفض الرأى العام، الذى أصبح ينظر إليه على أنه من المحرمات أو الكبائر التى يستحى منها المرء. استمر الخطاب الرافض، وأضعف تأثير مبادرات كثيرة مثل ما عرف بمجموعة «كوبنهاجن»، التى ضمت مثقفين وإعلاميين بارزين، والزيارات الفردية التى قام بها عدد من الصحفيين والكٌتاب مثل الراحل على سالم، والاتفاقيات الاقتصادية مثل «الكويز» وغيرها. وأدت الممانعة الشعبية للعلاقات مع إسرائيل إلى اللجوء إلى السرية فى إدارتها. هناك رجال أعمال وشخصيات أخرى لها علاقات ومصالح مع إسرائيل، لكنها بعيدة عن العلن. الخطوة التى قام بها توفيق عكاشة، والتى أعلن عنها بنفسه، تطرح سؤالا بقوة: هل لا يزال الحائط الشعبى الرافض للتطبيع قويا متماسكا، أم اعتراه بعض الوهن؟
فى رأيى، أن جدار مقاومة التطبيع اهتز عما كان عليه بفعل عدد من العوامل:
أولا: شغف قطاع من الأقباط بزيارة الأماكن المقدسة، وقد زارها البابا تواضروس لأداء الصلاة على جثمان مطران القدس الراحل، وهناك حديث من قيادات إسلامية بأن الزيارة تحمى المقدسات وتدعم الفلسطينيين. ثانيا: تشابك علاقات البيزنس ما ظهر منها وما بطن، ثالثا: التفاعلات فى المنطقة العربية أخرجت إسرائيل على الأقل مؤقتا من معادلة العداء. فى نظر البعض داعش أكثر خطورة من إسرائيل، وإيران بالنسبة للبعض شرا مستطيرا، وتركيا بالنسبة لآخرين خطر داهم، ولم تعد إسرائيل فى الحسبان، بل إن هناك أحاديث تشير إلى أن إسرائيل لم تعد تشكل عداء على مصر، بالنظر إلى الخطر الذى تشكله حماس على الأمن القومى المصرى. رابعا: هناك أجيال شابة ولدت فى ظل السلام مع إسرائيل، وما تقرأه عن حروب 1956 و1967 و1973 مجرد موضوعات فى التاريخ، لا أكثر، وقد تسأل للأسف أيا منهم أسئلة معمقة عن تلك الفترة فلا تجد إجابة محددة، أو يرد عليك بثقافة سينمائية مستقاة من الأفلام التى قدمت هذه الحقبة من التاريخ. ولا توجد فى الواقع دراسات جادة أو استطلاعات رأى لمعرفة موقف هذه الشريحة العمرية المهمة من قضية التطبيع. خامسا: هناك دعوات متفرقة تدعو إلى التطبيع لكنها لا تُحدث تأثيرا إعلاميا واسعا، مثل تصريح أحد الشخصيات الرياضية بعدم الممانعة فى تنظيم مباراة كرة قدم بين مصر وإسرائيل.
تأمل حركة الأحداث يشير إلى أن تغيير المواقف الممانعة يبدأ دائما بتحدى المحظور من جانب شخصيات لها مساحة حضور فى المجتمع، ولا تعبأ بالغبار الذى يثار حولها، بل تسعى إلى المزيد منه. حدث ذلك فى السابق فى قضايا كثيرة مماثلة.
ســـامـــح فــــوزى