فيما وراء غزة.. الحروب والأزمات المسكوت عنها فى جوارنا - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 8:30 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فيما وراء غزة.. الحروب والأزمات المسكوت عنها فى جوارنا

نشر فى : الجمعة 1 مارس 2024 - 9:15 م | آخر تحديث : الجمعة 1 مارس 2024 - 9:15 م
لم تكن أبواب الجحيم مغلقة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
قبل هجمات حماس على إسرائيل وحرب غزة التى أطلقتها حكومة بنيامين نتنياهو المصنفة الأكثر يمينية فى تاريخ الدولة العبرية، كانت منطقتنا تعانى من فقدان السلم الأهلى وغياب الأمن بمضامينه الشاملة فى العديد من المواقع.
• • •
إلى الجنوب من مصر، كانت المواجهات العسكرية فى السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع والتى نشبت فى ١٥ إبريل ٢٠٢٣ تتواصل بدموية ووحشية لتسقط أكثر من ١٠ آلاف ضحية وآلاف المصابين وتشرد ملايين المدنيات والمدنيين وتدفعهم إلى النزوح إلى دول الجوار، وتهدد أقاليم مختلفة فى البلد مترامى الأطراف بأخطار المجاعات وانتشار الأوبئة.
اليوم، ومع اقتراب الحرب الأهلية من نهاية عامها الأول، يصل عدد الأشخاص النازحين من المدنيين إلى ٨ ملايين سودانية وسودانى حلت أغلبيتهم بمصر، وتطل المجاعة بوجهها المتوحش على سكان إقليم دارفور وعديد المناطق النائية التى لا يصلها ما يكفى من المساعدات الخارجية، ويواجه أكثر من ٢٥ مليون مواطن ومواطنة (نصف عدد السكان) الجوع كواقع أليم لا فكاك منه، وتحذر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من خطر تعرض أكثر من ٧٠٠ ألف طفل لسوء تغذية يفضى إلى الموت المحقق.
تستمر فصول المأساة السودانية، والقوى الفاعلة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باستثناء مصر وبدرجات أقل السعودية والإمارات لا تنشط لإنهاء الحرب بينما الاتحاد الإفريقى يكتفى بين الحين والآخر بإصدار بيانات عمومية تدعو المتحاربين إلى وقف القتال، والقوى الدولية باستثناء جهود أمريكية وصينية محدودة تراوح بين تجاهل المأساة وبين الإفادة منها ببيع السلاح والخدمات العسكرية.
أما المجتمع الدولى، فشقه الدبلوماسى يصم آذانه عن تحذيرات منظمات أممية وجهات إغاثية عالمية عديدة بشأن خطورة الأوضاع ويمتنع عن الضغط بفاعلية على الجيش وقوات الدعم السريع لوقف إطلاق النار والبحث عن حلول تفاوضية، وشقه الحقوقى المفترض فى مكوناته (مؤسسات أممية ومنظمات حقوق إنسان عالمية) أن يوثق الجرائم والانتهاكات التى تشهدها السودان منذ ربيع العام الماضى يصمت فلا تقارير تنشر ولا أرقام وبيانات تخرج إلى العلن إلا فيما ندر، وشقه الإعلامى بجناحيه التقليدى (الصحافة والإعلام المسموع والمرئى) والحديث (وسائل التواصل الاجتماعى) يركز إما على الحرب فى غزة وصراع السرديات الدائر بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، أو على الحرب الروسية ــ الأوكرانية وصراع السرديات الدائر أيضا بين الطرفين هناك ويتجاهل فى الأغلب الأعم المأساة السودانية على الرغم من فصولها الدموية والوحشية المتعاقبة وعلى الرغم من الكلفة البشرية والمادية المخيفة.
• • •
أما فى ليبيا، جارتنا الغربية، فلم تكن معاناة أهلها بفعل فقدان السلم الأهلى وتعثر إطلاق العملية السياسية الموحدة الرامية لتقريب مؤسسات الحكم والقوة الجبرية فى الشرق والغرب غائبة قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣. بل ضرب شرق ليبيا، تحديدا مدينة درنة، إعصار دانيال فى سبتمبر ٢٠٢٣ ليدمر سدى المدينة «بعد سنوات من الحرب والإهمال»، كما أشار محقا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ويسفر عن كارثة إنسانية كبرى راح ضحيتها آلاف القتلى وآلاف المصابين وآلاف المنشآت العامة والخاصة فى واحدة من أقدم مدن الشرق الليبى. وعوق غياب الأمن من جهود الإغاثة المحلية والدولية، فتأخر إطلاقها لتضيع حياة من كان يمكن إنقاذهم وتعثر استمرارها بسبب تكالب من يتصارعون على حكم ليبيا ومواردها منذ ٢٠١١ على الاستحواذ على مخصصات الإغاثة وتوظيفها للحصول على رأسمال سياسى وشعبى، دون اعتبار لمصاب الشعب المنكوب واحتياجاته.
بين ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ واليوم، لم تتحسن أحوال أهل درنة الذين شاهدوا المساعدات الدولية القادمة لمدينتهم تتراجع وفرق الإغاثة الأمريكية والأوروبية تغادرها على وقع نشوب الحرب فى غزة وتدهور الأوضاع الأمنية فى عموم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وسحب الحكومات والمنظمات غير الحكومية الغربية لموظفيها والمنتسبين إليها من مناطق التوتر الإقليمى ومن بينها جارتنا الغربية.
بين ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ واليوم، وعلى الرغم من تراجع معدلات العنف بين المتصارعين على الحكم، لم تتحسن مجمل أحوال الشعب الليبى الشقيق الذى لم تعد موارده النفطية تضمن له العيش الكريم وينتظر التفاتا عربيا وشرق أوسطيا وإفريقيا ودوليا إليه، لكى تطلق عملية سياسية توافقية تحقق الاستقرار وتفعل جهود التنمية المعطلة منذ سنوات.
• • •
ما يشار إليه فى الشأن السودانى والشأن الليبى، والبلدان يقعان فى جوارنا المصرى المباشر، ينطبق أيضا على أحوال سوريا التى تعانى من أزمة اقتصادية حادة، وتشعل إيران وإسرائيل والولايات المتحدة وتركيا حروبا بالوكالة على أراضيها، وتنشط بها مجددا من جهة عصابة داعش الإرهابية ومن جهة أخرى مجموعات كردية مسلحة لها ثأرها مع الحكومات التركية المتعاقبة.
كما أن كارثتى فقدان السلم الأهلى وغياب الأمن بمضامينه الشاملة تحضران أيضا فى العراق واليمن، حيث يرتب وكلاء إيران، من ميليشيات الحشد الشعبى هنا وجماعة الحوثى هناك، صراعا داخليا متواترا على الهوية الوطنية واختراقات متراكمة لمؤسسات الدولة الوطنية تدفعها إلى اتباع سياسات وممارسات طائفية وتمكن «السيد فى طهران» من استغلال أراضى البلدين لإدارة مواجهاته مع الولايات المتحدة وإسرائيل عن بعد دون اعتبار لا لسيادة وطنية ولا لسلم أهلى، ودون كثير اهتمام باعتبارات الأمن والاستقرار الإقليميين إن فى المشرق العربى أو فى البحر الأحمر.
أما لبنان، وهو مهدد دوما بانفجارات طائفية وبحروب مفتوحة بين حزب الله وإسرائيل وبتدخلات إيرانية وفرنسية وأمريكية سبق وأن قوضت استقراره وتكثر به مخيمات قدامى اللاجئين واللاجئات ومحدثيهم وتعانى مؤسسات دولته من وهن مزمن، فيواجه ذات الأخطار التى تقض مضاجع الشعبين العراقى واليمنى وليس له إزاءها سوى الحفاظ على الحد الأدنى من التعايش بين طوائفه الكثيرة وتمنى أن تتوافق الإرادات الإقليمية والدولية على تجنيبه ويلات الحرب والدمار. وفى سوريا والعراق كما فى اليمن ولبنان، لم يحدث بين ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ واليوم سوى المزيد من تدهور الأوضاع الأمنية وتفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية.
• • •
لم تكن أبواب الجحيم، إذا، مغلقة قبل هجمات حماس وحرب إسرائيل فى غزة ولم تكن المآسى الإنسانية والكوارث المجتمعية غائبة عن واقعنا اليومى فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولا ينبغى، من ثم، أن يدفعنا التضامن اللازم مع الشعب الفلسطينى الشقيق الذى يتعرض لما يبدو كونه إبادة جماعية تديرها حكومة اليمين المتطرف فى إسرائيل إلى تناسى ما يعانيه الأشقاء فى السودان وليبيا وبلدان عربية أخرى، أو إلى تجاهل التهديدات الخطيرة التى ترد على الأمن القومى المصرى والعربى بفعل الحرب الأهلية فى السودان، وغياب الأمن فى ليبيا وسوريا والعراق، وهجمات الحوثيين على الملاحة فى البحر الأحمر.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات