علينا البعد عن التعجل حين قراءة وتقييم الإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ولا بد من تحديد وضبط معايير القراءة والتقييم فى ضوء بعض المبادئ التى اعتقد أنه لا خلاف عليها.
أولا، ضمن الإعلان عن التعديلات الدستورية التى استفتينا عليها كمواطنين فى 19 مارس 2011 وأقرتها اغلبية واضحة بعد جدل واسع (وإن قصير العمر) وبعد استفتاء حر ونزيه (باستثناء بعض التجاوزات المحدودة التى لم تفسد الجوهر الحر). ومن ثم يصبح الاعتراض على الإعلان الدستورى من مدخل رفض نصوص ومضامين التعديلات الدستورية بعد أن أقرتها الإرادة الشعبية بحرية أمرا غير مقبول لا يحترم قواعد العمل الديمقراطى ولا يؤسس لممارسة ديمقراطية.
أكتب هذا وأنا كنت من بين المعترضين على التعديلات والمنادين برفضها.
ثانيا، الإعلان الدستورى هو دستور مؤقت إلى حين الانتهاء من صياغة دستور دائم جديد واستفتاء المواطنين عليه، وفقا للجدول الزمنى وللآليات المحددة بالمادة 189 مكررا فى التعديلات الدستورية والتى ضمنت فى الإعلان فى نص المادة 60. ومن الطبيعى ألا يصادر الإعلان الدستورى على مهام صياغة الدستور الجديد وصناعة توافق مجتمعى عام حوله سيستدعى حتما جدلا مجتمعيا شاملا بأن يكرس فى مواده رؤى أو مبادئ أو قواعد دستورية وقانونية جديدة لا نعلم بعد إن كانت محل توافق عام أم لا.
أسجل هذه النقطة فى إشارة إلى أولئك الذين يشعرون بإحباط من جراء تضمين الإعلان الدستورى لشرط عضوية 50 % من العمال والفلاحين للمجالس التشريعية المنتخبة أو بسبب عدم إلغاء مجلس الشورى أو نظرا للامتناع عن إضافة مواد جديدة تحد من صلاحيات الرئيس المنتخب التشريعية وتخضعه بوضوح للمساءلة والمحاسبة من قبل السلطتين التشريعية والقضائية. فمثل هذه الأمور الجوهرية تقع فى صلب عملية صياغة الدستور الجديد، وفى قلب الجدل العام الذى سيصحبها ومن غير المقبول انتصارا للديمقراطية والتوافق المجتمعى المصادرة عليه.
والحقيقة أننى، وبغض النظر عن قناعاتى الشخصية، كنت سأكون أول المعترضين على تضمين الإعلان الدستورى لمبادئ أو قواعد جديدة تتجاوز ما ارتضته الإرادة الشعبية فى استفتاء 19 مارس لما فى هذا من جوهر غير ديمقراطى وواجبى الآن أن أحيى المجلس الأعلى للقوات المسلحة واللجان الدستورية التى صاغت الإعلان على عدم وقوعها فى هذه الخطيئة الكبرى.
ثالثا، لا يعطى الإعلان الدستورى للمجلس الأعلى أو للقوات المسلحة ككل صلاحيات تشريعية أو تنفيذية أوسع من التى اكتسبتها بعد تكليفها بإدارة شئون البلاد فى 11 فبراير 2011، بل وحدد آليات النقل الفورى للصلاحيات هذه إلى البرلمان المنتخب (التشريع وإقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة ومراقبة تنفيذها) وإلى الرئيس المنتخب (طيف من الصلاحيات التشريعية والتنفيذية).
وفى هذا انتصار واضح لمسار التحول الديمقراطى ولتمكين البرلمان القادم والرئيس القادم من ممارسة كامل صلاحياتهما بعد انتخابهما فى انتخابات نتمناها ديمقراطية ومعبرة بصدق عن الإرادة الشعبية. لم يستغل المجلس الأعلى الفراغ الدستورى والسياسى الراهن لتكريس صلاحيات استثنائية له لا تنقل فورا إلى الهيئات المنتخبة، وتعامل من ثم بالتزام واضح بالديمقراطية مع المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر اليوم وأكد مجددا عزمه ضمان التحول الديمقراطى. هنا أيضا تحية إضافية واجبة للمجلس الأعلى.
رابعا، فيما دون المبادئ العامة هذه لقراءة وتقييم الإعلان الدستورى وبعيدا عن الإعلان فى الواقع، يمكن أن نختلف فى النظر إلى الآليات والإجراءات التفصيلية التى تحملها القوانين المكملة المتعلقة بالأحزاب السياسية ومباشرة الحقوق السياسية ونظام الانتخاب وأن تتعدد اجتهاداتنا فى ما خص الجدول الزمنى المرتبط بها.
للتوضيح: الثلاثاء الماضى، أعلنت مجموعة مبادرة الحزب المصرى الحر التى أتشرف بالعمل بها اندماجها مع مجموعة مبادرة الحزب المصرى الديمقراطى فى قاعة كليوباترا بفندق سميراميس. وتبع ذلك محاضرة لى فى المسرح الملحق بالكاتدرائية المرقسية عن تحديات الوطن والمواطنين بعد ثورة 25 يناير، ولم يكن الإعلان عن اندماج المبادرتين هناك.