نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى تقول فيه إن مصطلح الكمامة قد يحمل معانى سلطوية، وترى أن تغييره لمصطلح اللثام الذى انتشر استخدامه بين الأمازيغ والطوارق أفضل لارتباطه بالتاريخ والقيم.. نعرض منه ما يلى.
تقول الكاتبة إنه فى الأشهر الأخيرة كثر الحديث عن «الكمامة» سواء فى الخطاب الصحيّ أو السياسى أو الإعلاميّ أو الاقتصادى، وتداول الناس خبر «أزمة الكمامات» و«صفقة الكمامات المشبوهة» و«فضيحة الكمامات» و«كمامات النواب والوزراء والمشاهير».. وانتشرت الصفحات التى تروّج لنماذج جديدة من الكمائم التى تتلاءم مع بداية الرجوع إلى العمل والدراسة والترفيه والتى تختلف باختلاف السنّ والجندر والطبقة والمذهب والفقر وغيرها. تستعجب الكاتبة من تمسّك التونسيون بالكمامة بدل اللثام مع أنّ تاريخ إفريقيا يشير إلى انتشار اللثام لدى قبائل صنهاجة الأمازيغية وتحوّله مع الدولة المرابطية إلى ‹علامة› سياسية ليصبح مع الموحّدين محرّما وموضوع هجاء سياسى إذ نعت الخصوم بـ«الملثّمين»؟
تقول الكاتبة إن كتب اللغة تشير إلى أنّ الكِمَامَةُ هى فى الأصل ما يُجعَلُ على أَنف الحمار أَو البعير لئلاَّ يؤذيَه الذُّبابُ وهى أيضا ما يشدّ أو يكمّ به فم الحيوان منعا له من العضّ أو الأكل. ثمّ ارتبطت بعد ذلك ببعض القطاعات فصارت دالة على ما يَضَعُهُ العَامِلُ أَوِ الجُنْدِيُّ عَلَى وَجْهِهِ اتِّقَاءَ الغَازَاتِ السَّامَّةِ. ولكن لجذر «ك م م» معانى أخرى منها: كمَّمَ فمَ الحيوان: سدَّه.. تَكَمَّمَ بِثِيابِهِ: تَغَطَّى بِها، وكمّ فمه أسكته ومنعه من الكلام.
أمّا فى تعريف اللثام فتقول الكاتبة إن المصطلح فى استخدامه «لَثَّمَ وَجْهَهُ».. أى شَدَّ عَلَيْهِ اللِّثَامَ بِوَضْعِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَمَا حَوْلَهُ لئلاّ يدخل الغُبارُ إلى مجرى التَّنفُّس، ولثم خدّه قبّله. وجرت العادة أن يستعمل البدو اللثام وخصوصا الرجال منهم لحجب وجوههم حماية من الحرارة والرياح العاتية والتراب وخوفا من عمليات الأخذ بالثأر. والملاحظ أنّ الرجل عند الطوارق، هو من يرتدى اللثام، أى التَاُلْمُوسْتْ، الذى يعتبر رمزا للرجولة بينما لا تغطّى المرأة وجهها.
ترى الكاتبة أن ميل الحكومة التونسية إلى استعمال لفظة الكمامة منذ الأسبوع الأول من تفشى الوباء يشير إلى أهميّة اللغة فى فرض السلطة وقوانين الضبط باعتبارها مؤسسة سلطوية بالضرورة. فمنذ ظهور الجائحة كان الإجماع على تداول لفظة «الكمامة». وتتساءل الكاتبة هل يرجع هذا الاختيار إلى تضمنّه المعنى القسرى والعنف: سدّ، كمّ...؟ وهو ما يتلاءم مع مصالح النخب السياسية التى تريد أن تبقى حقيقة صفقات الفساد، مَكْمُومَةً، أى مَسْتُورَةً، وتلحّ على جعل ما يجرى داخل البرلمان، وفى اللجان المغلقة، وفى كواليس الوزارات مخفيّا... وفى هذا السياق أشارت الكاتبة إلى ما نبّهت عليه مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان ميشيل باشليه إلى أنّ الحكومات لا يجب أن تستخدم الصلاحيات الاستثنائية سلاحا للسيطرة على الشعوب أو إسكات المعارضة وأضافت «باشليه» «أنّ حجم الانتهاكات بحق أشخاص ينتمون إلى الطبقات الفقيرة والمحرومة فى المجتمع قد تضاعف».
تستترد الكاتبة بأن المواطنين يذكّرون من يُفترض أنّهم فى خدمة الشعب، وأصحاب المبادرات والتسميات والإجراءات التى تضرّ بمصالح البلاد والعباد ممن يستغّلون هذا السياق الّذى حدّ من حريّة الحركة بأنّهم لن يتمكنوا من سد أفواههم، ولن يتوانوا عن مقاومة كلّ أشكال الحيف والنهب والجرى وراء الامتيازات على حساب قوت الناس.. ولسان حال هؤلاء: فقد تَكَمَّأَنا تَصَرُّفَاتكم، أى َكَرهَناها مثلما كرهنا عالم الغنيمة الذى أسستموه وسنعمل من داخل فضاءاتنا الخاصّة على إماطة اللثام وكشف الحقائق.
ترى الكاتبة أن فى اللثام صلة بتاريخ تونس وقيم الحرية والاستقلالية التى يرمز إليها.. اختاروه عن طواعية وارتأوا لثم تراب الوطن والانطلاق فى الفعل فى الواقع من أجل تغييره. أمّا الكمامة فلا محلّ لها فى بلاد تحرّر أصحابها من عقدة الخوف.