أدركت أجهزة الاستخبارات الغربية بعد أحداث 11 سبتمبر، أن هناك من مواطنيها سواء من الجيلين الثانى والثالث من المهاجرين المسلمين، أو من الذين تحولوا إلى الإسلام يعتنقون الفكر الجهادى، وبعضهم على تواصل مع التنظيمات الجهادية.
«داعش» وأخوتها تشكل الحاضنة لهؤلاء المجاهدين الغربيين لممارسة «الجهاد» فى سوريا والعراق. آخر الإحصاءات تشير إلى أن عدد هؤلاء 3000 شخص، ولكن تقديرات أخرى تفيد بأن الحكومات الغربية تميل إلى التهوين من الأعداد التى هى أكثر من ذلك بهدف حصار الفكر الجهادى فى صفوف مواطنيها من المسلمين. ويُعتقد أن الإعلان عن «الخلافة» فى يونيو الماضى شجع كثيرا من الأوروبيين المسلمين إلى الالتحاق بصفوف «المجاهدين» فى الشرق الأوسط. كل الدول الأوروبية يخرج منها المجاهدون: المانيا، إيطاليا، بريطانيا، إيرلندا، الدانمارك، السويد، إسبانيا، فرنسا، بلجيكا، هولندا، وروسيا بالإضافة إلى الولايات المتحدة، كندا، أستراليا.
فى تقرير لشبكة «سى. إن. إن» الإخبارية ــ تضمن حوارا أجرته مع بعض المجاهدين عبر الإنترنت ــ قال أحدهم من بريطانيا أنه نشأ فى أسرة متوسطة الحال، تعيش حياة كريمة، ويمتلك سيارة لكنه لا يستطيع ممارسة الإسلام، ويشعر بأن الفساد يحيط به من كل جانب. اللواط، الزنى، الاغتصاب، وبالتالى ذهب لتحقيق حلم الخلافة الإسلامية. تقرير آخر يشير إلى أن المجاهدين الناطقين بالفرنسية ــ بالأساس من فرنسا وبلجيكا ــ يشكلون وحدات قتالية خاصة بهم فى إطار «داعش»، لتخطى صعوبة عدم القدرة على التواصل باللغة العربية فى الوحدات القتالية التى قوامها من العرب. تقرير ثالث يشير إلى أن هناك عددا لا بأس به من الأطفال ــ أقل سنا ممن يعتبرون فى مرحلة المراهقة ــ من بينهم فتيات صغيرات خرجن من ألمانيا بحثا عن الجهاد، والزواج بالمجاهدين، وهو ما وصفه جهاز الأمن فى النرويج بأنه «جهاد جنسى».
الغرب، أوروبا وكندا والولايات المتحدة وأستراليا، ظل لعقود يحتضن عناصر عديدة ممن خرجوا من مجتمعاتهم العربية هاربين من تهم إرهاب، هؤلاء تمتعوا بالحماية، والرعاية الاقتصادية والاجتماعية، وسمح لهم بالنشاط العام، وبعضهم شكل مصدر معلومات لأجهزة الاستخبارات الغربية حول الإسلام السياسى عامة، والتنظيمات الجهادية خاصة. لم يدرك الغرب أن يخرج من مواطنيه إرهابيون، وقد يعود من الجهاد فى الشرق الأوسط لتنفيذ عمليات فى عمق البلدان الغربية، وهو ما يقلقهم بشدة، خاصة إذا ما لجأ هؤلاء إلى عمليات بسيطة، غير معقدة، تحدث تأثيرا مميتا.
منذ أيام نشرت الصحف البريطانية أن الحكومة العراقية أمدت واشنطن، وحلفائها، بمعلومات عن عمليات يخطط لها فى نيويورك ولندن استطاعت الحصول عليها من اعترافات جهاديين ألقى القبض عليهم.
يخطئ الغرب ــ مرة أخرى ــ إذا ظن أن الإرهاب فى تنظيم القاعدة، وتفرعاته المنتشرة فقط، لكنه فى الأساس فى الفكر الذى يغذى التطرف والعنف. هؤلاء المجاهدون ليسوا ضحايا الفقر، ولم يسكنوا فى عشوائيات، بل تلقوا أفضل تعليم ورعاية صحية واجتماعية، وعاشوا فى مناخ من الحرية الكاملة، وبرغم ذلك يمارسون القتل، وقطع الرءوس، ويحملون حقدا وكراهية للمجتمعات التى نشأوا فيها.
بالتأكيد يحتاج البحث الاجتماعى الغربى إلى النظر فى هذه الظاهرة.