يقول الكاتب إن بعد أقل من أسبوع، تكون قد مرت نصف سنة على الحرب، ويمكننا أن نجرى ميزانًا مؤقتًا للوضع فى ميدان القتال، وفى الميدان السياسى، ونحاول وضع طريقة للخروج من الورطة. لكن من أجل الاتفاق على كيفية الخروج، يجب الموافقة على مبادئ أساسية.
إن الحرب الدائرة هنا هى حرب بين شعبين على أرض واحدة، ولكل شعب تاريخ من آلاف السنوات التى لها علاقة بذلك، والتى تمنحه «الحق التاريخى» فى البلد. وقد حددت المنظمات الدولية والأمم المتحدة حقنا وأيضًا حق الفلسطينيين عبْر تقسيم البلد، ويعترف العالم بحدود الهدنة لسنة 1949 على أنها حدودنا. فى حرب 1967، أضافت إسرائيل أراضى مخْتلفًا عليها، وأقامت فيها مستوطنات لا يعترف العالم بقانونيتها. وتدعو قرارات الأمم المتحدة التى لها علاقة بالمناطق إلى حل للنزاع عن طريق مبدأ الدولتين.
وفى اتفاقات أوسلو، وافقت الزعامة الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية على مبدأ الدولتين ضمن حدود الهدنة، كما وافقت حكومات إسرائيل منذ أيام رابين وصولا إلى نتنياهو على مبدأ الدولتين، مع تبادل أراضٍ من أجل إبقاء المستوطنات فى الضفة داخل أراضيها، وقد قبلت السلطة الفلسطينية مبدأ تبادل الأراضى، وكذلك الجامعة العربية، لكن لم يجر الاتفاق على حجمها.
لكن هذا الصراع القومى له بعد آخر دينى جعله أكثر تعقيدًا؛ فبعد انسحاب إسرائيل من غزة سنة 2005، فازت «حماس»، فى الانتخابات النيابية الفلسطينية، وسيطرت على القطاع، وتنكرت لاتفاقات أوسلو، ورفضت الاعتراف بإسرائيل. وفى المقابل، حاولت التيارات الدينية القومية فى إسرائيل منع إمكان تقسيم الضفة بين الشعبين عبْر توزيع المستوطنات.
وفى 7 أكتوبر 2023، شنت «حماس» هجومًا وحاولت احتلال أجزاء من النقب، وردت إسرائيل على ذلك بحرب هدفها القضاء على القوة العسكرية والسلطوية للحركة، مع إدراكها أنها لا يمكن أن تقبل بوجود قوة فى الحكم فى غزة هدفها تدمير إسرائيل. وخلال ستة أشهر، اتضح أن تحقيق هذا الهدف يتطلب شهورًا كثيرة، وهناك حاجة إلى حكم بديل مدنى من «حماس».
على الصعيد العسكرى، ظهرت حدود قوتنا، خصوصًا اعتمادنا على الولايات المتحدة من ناحية التسلح، كما اتضح أيضًا أنه، بعد مرور 6 أشهر على حرب الاستنزاف فى مواجهة حزب الله، فإن قوة الحزب لا تزال كبيرة، وعشرات الآلاف من سكان الجليل لا يمكنهم العودة إلى منازلهم.
أما على الصعيد السياسى، فلم يجرِ العثور على جهة رسمية شرعية قادرة على أن تحل محل «حماس» باستثناء السلطة الفلسطينية، لكن من أجل ذلك، ستضطر إسرائيل إلى العودة إلى مبدأ الدولتين. وفى ضوء ما حدث فى 7 أكتوبر، فإنه من المعقول أن تشترط إسرائيل ذلك بنزع سلاح الدولة الفلسطينية وتغيير منظومة التعليم لديها، والإبقاء على جزء أساسى من المستوطنات فى الضفة الغربية فى مقابل تعويضات إقليمية على مراحل تستمر لسنوات، وأن يجرى اختبار القبول الفلسطينى بوجود دولة إسرائيل قبل منحها الاستقلال الكامل.
إن الموافقة على دولة فلسطينية ستؤدى إلى استقالة أحزاب اليمين المتطرف، وهذه الخطوة ممكنه إذا قدمت أحزاب الوسط مظلة أمان إلى نتنياهو تسمح له بالبقاء من دون أحزاب اليمين والأحزاب الحريدية أيضًا، والتى ترفض المشاركة فى تحمل عبء الخدمة العسكرية الإلزامية. وفى إمكان حكومة مؤقتة مؤلفة من الوسط واليمين المعتدل إنهاء الحرب مع أفق سياسى مضمون، وتحديد موعد للانتخابات، والاهتمام بالحلول السلمية، والخروج من غزة، باستعادة الرهائن واستبدال الحكم فى القطاع، والاهتمام بالمشكلات الداخلية الملحة، وفى طليعتها التجنيد وترميم الجيش، والحوكمة فى النقب، ومعالجة مشكلة الجريمة بصورة عامة، والتزام فرض التعليم الأساسى من أجل دمج الحريديم فى الاقتصاد.
ميشكا بن دافيد
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية