ذهبت لاستخراج مستند من احدى كليات جامعة القاهرة فوجدت استقبالا حارا من الموظفين الذين ابتسموا فى وجهى بكرم بالغ وهى حالة لم تكن موجودة على أيامنا ونحن طلاب فى الجامعة لأن الموظفين كانوا أيامها يعملون وفقا لنظرية (الاستمارة راكبة الحمارة) التى وصفها شاعرنا العظيم فؤاد حداد فحمدت ربى أن تلك الايام قد مضت بحلوها ومرها.
وحانت لحظة استدعائى لدفع الرسوم المقررة وذهبت للموظف المختص فقال لُى: (السيستم واقع، ومش عارفين راجع امتى، روح اقضى أى مشوار قريب وأرجع يمكن يكون انتظم).
كانت الاستجابة للنصيحة فكرة مستحيلة عمليا لأنى دخلت الجامعة التى تخرجت منها بصعوبة شديدة وبعد إجراءات مشددة وفحص شامل رغم انى دخلت الجامعات فى بلاد اخرى ولم يسألنى احد عن وجهتى.
وفِى أوروبا التى زرتها كثيرا رأيت الجامعة مثل الجامع يمكن لاى عابر سبيل ان يطرق ابوابها فى سلام، قلت فى بالى ان ظروف البلد تجعلنا نتسامح مع مثل هذه الإجراءات لحفظ الأمن والنظام.
وللتعامل مع الوقت فكرت أول ما فكرت فى زيارة أصدقائى من الأساتذة داخل الجامعة لتمضية الوقت حتى يحن علينا (السيستم) لكنى تذكرت على الفور اننا فى اجازة الصيف وأغلبهم خارج الأسوار ولعلهم ينعمون بإجازة على البحر لا يجوز قطعها باتصال مجامل لا معنى له. هاتفت صديقى الاستاذ الدكتور لأشرب معه قهوة وعدته بها منذ شهور فوجدته بدلا من الجلوس على كرسى الاستاذية يحتل مقعدا متواضعا فى مرور بين السرايات ويجلس منذ الثامنة صباحا فى انتظار عودة السيستم لتجديد رخصة القيادة فاعتذر وطلب منى واسطة لانقاذه لولا أنى نصحته وهو فرانكفونى الهوى ان يفعل مثل ابطال مسرحية صموئيل بيكيت ويبقى معهم فى انتظار جودو الذى لا يأتى ابدا.
ووجدت ان حالى احسن مِن حاله فهو فى الشمس ينتظر الرضا وانا قاعد فى غرفة مكيفة خدمة خمس نجوم وبدون واسطة من أى نوع. وبناء عليه قررت وضع خطة بديلة والتعامل مع الوقت بصورة اكثر عملية وذهبت لدفع فاتورة تليفون لإحدى شركات الاتصالات التى دفعت دم قلبها ثمنا لإعلان ظهر فيه محمد صلاح دون أن يجرى وهناك اكتشفت ان السيستم من النوع الأصيل الذى لا يعمل واحتفظ بحالته ولم يتنازل عّن لقب (واقع).
وبعد أخذ ورد مع شاب أنيق يعمل محصلا فهمت ان السيستم عنده (شعره ساعة تروح وساعة ييجى) تركته ونظرت للساعة التاريخية فى الجامعة ووجدت انها لا تزال تعمل بالنظام نفسه الذى بدأت به أيام النظام الاستعمارى وقبل ان يظهر (السيستم) الذى خشيت من غضبه لو كشفت لاحد الموظفين عّن اعجابى بالطريقة الميكانيكية شبه البدائية التى تعمل بها الساعة
وعدت بمنتهى الادب اطلب من الموظف الشهادة التى جئت لاجلها واعتذرت لُى المديرة المسئولة بالنيابة عّن (السيستم) الواقع وطلبت منى ان اعود فى اليوم التالى لدفع الرسوم دون أى وعد بالقدرة على ادارة السيستم وفتح لُى زميلها الشاب متصفحا لصفحات الانترنت ليؤكد لُى سلامة نظام الخدمة لكن العيب فى (السيستم) وهو تابع للجامعة وليس للكلية وكان لسان حاله يقول (احنا ربنا هادينا والعيب مش فينا) فاقترحت على المديرة ان ادفع الرسوم المقررة بلدى، واحصل على إيصال وردى مثل ذلك الذى كنت احصل عليه بعد دفع المصاريف وقلت فى بالى (النوستالجيا حلوة مفيش كلام) ونصحتها ان تدخل بياناتى على مهل عند عودة السيستم بالسلامة لكنها نظرت فى وجهى بتوتر وقالت: (لا يجوز يا استاذ! لأنه لا توجد لدينا إيصالات دفع فنحن فى عصر الدفع الالكترونى ويا رَيَّت ما يبقاش قلبك اسود وتمشى وانت عندك شك فى كفاءة السيستم!