«ميسون صقر».. تقدير القيمة والاحتفاء بها - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 6:52 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«ميسون صقر».. تقدير القيمة والاحتفاء بها

نشر فى : السبت 2 يوليه 2022 - 7:45 م | آخر تحديث : السبت 2 يوليه 2022 - 7:45 م

ــ 1 ــ
على مدى ساعتين أو يزيد، فى مقر إقامتها بأبوظبى العاصمة؛ التقيتها عقب ندوتها التى نظمها على شرفها معرض أبوظبى الدولى للكتاب فى مايو الماضى. من الندوات القليلة التى شهدها معرض أبوظبى للكتاب بهذا الاحتشاد والزحام وتكالب الحضور.. المقاعد المخصصة للجلوس امتلأت عن آخرها، وقبل بدء الندوة بما يقرب الساعة، تناثر الوقوف فى جنبات المسرح يمينا ويسارا.

أجواء احتفالية حميمة، تحفها المحبة ويحوطها التقدير والامتنان والرضا. لم أرَ أحدا يعرف الشاعرة والفنانة والكاتبة المبدعة ميسون صقر ــ من قريبٍ أو من بعيد ــ لم يفرح من قلبه لتتويجها بالجائزة المرموقة بجدارة واستحقاق.. لم أعرف أحدا فى مصر، وفى الإمارات، وفى عموم العالم العربى، لم يبتهج لنبأ الإعلان عن فوزها بجائزة الشيخ زايد العالمية فرع الآداب، عن كتابها الجميل والفريد «مقهى ريش ــ عين على مصر»، الصادر عن دار نهضة مصر فى 2021.

ــ 2 ــ
تتحدث ميسون ببساطة وبراءة وعفوية لا تفارق أبدا أناقتها المعتادة، ولا هدوءها وسمتها الذى عُرفت به طيلة حياتها؛ تلمع عيناها فى اللحظة التى تستجيب فيها لتدفق خواطرها وأفكارها وحديثها الشارح الدقيق، وفى اللحظة التى تتذكر أنها تواجه جمهورا شغوفا بها محبا لها معجبا بها، ومقدرا لمنجزها الإبداعى والفكرى والثقافى، يحمر وجهها خجلا، وتهرب بعينيها إلى اللا اتجاه.
لكنك إذا أمعنتَ التركيز واستمعت إلى ما تقول بصوتها الخفيض الهادئ؛ تكتشف أنك إزاء مثقفة كبيرة، واعية، مدركة تماما لأبعاد تجربتها الإنسانية والإبداعية، وممتلكة لنبض الإحساس والتذوق بتطورها وانتقالاتها وتحولاتها المفصلية.. وعيها المرهف والحاد بوضعية تكوينها الإنسانى والثقافى، بمجمل تجربتها الإبداعية، وتطور رؤيتها للعالم، فضلا على قدرتها على رصد وتوصيف مسار رحلتها الإبداعية العامرة منذ بداياتها، وحتى تتويجها بالجائزة الرفيعة.

قدِر لى أن أحظى بحضور أكثر من فعالية ولقاء تكون هى «ضيف الشرف» والمتحدثة الرئيسية فيه؛ وأن أرقب بعين الصديق والقارئ، قبل عين الباحث المدقق، والفاحص للظواهر، تظاهرات الود والمحبة والتقدير فى كل مكان ومن أى شخص تلتقيه؛ من كل الأعمار، فى ختام ندوتها المقررة بالمعرض أهدتها طفلة جميلة بزيها الإماراتى الزاهى فى العاشرة من عمرها باقة ورد فواحة الرائحة محبة ومحبة فائضة.

ــ 3 ــ
فى الاحتفال الذى أقامته على شرفها مؤسِسة ومديرة صالون الملتقى الثقافى بأبوظبى، فى مساء اليوم التالى الذى عقدت فيها ندوتها بالمعرض، قلت فى كلمتى عنها بالحرف: تنتمى ميسون صقر إلى القلة التى جمعت بين أمرين من الصعب جدا الجمع والمزج بينهما بهذه الكيفية:

الأول: نبالتها الإنسانية الأصيلة، وسلوكها الإنسانى المتعاطف، والنبيل والكريم، مع كل من تعرفه أو لا تعرفه، هذا السلوك المتواضع المهذب الذى لم ولن يختلف عليه أحد فى تقديره، والتأكيد على صدقه وأصالته وسموه، هو خصيصة ملازمة لميسون فى كل تعاملاتها الإنسانية، ومواقفها المشهود لها فيها بالنزاهة والصدق والترفع عن الصغائر.
الأمر الثانى: نبالتها الإبداعية، وأصالتها الثقافية، وإخلاصها المتبتل للفن، وإيمانها بالأدب، وقيمة الإبداع فى كل ما تكتب، وفى كل ما تنجزه من أعمال (شعرا، نثرا، قصة ورواية، جمعا وإعدادا وتحقيقا، رسما وإخراجا، دراسة وتأريخا.. إلخ)، هى أصيلة فى إبداعها وإنتاجها، مثلما هى أصيلة ونبيلة فى علاقاتها الشخصية، وتعاملاتها الإنسانية.. وهما أمران ــ كما قلتُ ــ ليس من السهل لا الجمع ولا المزج بينهما بهذه الكيفية.
كان من حظى، بغير اتفاقٍ مسبق ولا ترتيب ولا سابق إعداد، أن دار حوار عفوى بينى وبينها، تحدثت فيه عن نفسها، وسيرتها الإبداعية والثقافية، وعن تعدد وتنوع مجالات إسهامها الأدبى والفنى والتاريخى، عبر مشوارها وكفاحها الإنسانى والإبداعى المستحق بكل تأكيد للتقدير والاحترام... حوار أعتز به أيما اعتزاز.

ــ 4 ــ
إن قيمة ميسون صقر عندى موقرة ومقدرة قبل الجوائز وبعدها، فالجوائز تأتى للاعتراف بالقيمة، والتأكيد على حضورها، وإعلان ذلك على الملأ، لكنها أبدا لا توجدها من العدم، ولا تخلقها من الفراغ. لذلك كان الاحتفاء والفرح الكبير بفوزها بجائزة الشيخ زايد للكتاب حقيقيا وعارما وصادقا ومحتفيا من القلب بالقيمة والمكانة والإنجاز والحضور الإنسانى.

وإذا كانت ميسون فى روايتها المهمة «فى فمى لؤلؤة» ترصد تحولات المجتمع الخليجى خلال رحلة البحث عن اللؤلؤ قبل اكتشاف النفط، وتؤرخ لهذه الحقبة فى البلاد الخليجية التى كانت تعتمد فيها على صيد اللؤلؤ، وتعتمد عليه فى اقتصادها، خلال فترة زمنية طويلة تمتد منذ القرن الثامن عشر، وحتى بداية القرن العشرين، فإنها فى «مقهى ريش ــ عين على مصر» قد قدمت عملا علميا أصيلا، بمثابة أطروحة دكتوراه وافية ورصينة (وأنا أعتبره كذلك بالفعل). ثمة إجماع على أهمية الكتاب العلمية والتوثيقية، فضلا على جمال وعذوبة صياغته الأدبية. فى واحدٍ من حواراتها الأخيرة (فى موقع كيوبوست الإماراتي) تقول ميسون عن كتابها المرجع:
«فى الحقيقة لم أكن مشغولة بإعداد كتابٍ تاريخى، وإنما أردت كتابة سيرة مقهى ريش، وبطبيعة الحال لم تكن الكتابة ممكنة دون التطرق للكتابة عن القاهرة نفسها، فخرج الكتاب كسرد للمدينة العريقة من خلال مقهى شهد على حراك سياسى واجتماعى وثقافى مهم، ليحدث هذا المزيج بين الأدب والتاريخ الذى استغرق منى قرابة العشر سنوات».

ــ 5 ــ
إن ميسون إماراتية المولد والمنشأ والجنسية، مصرية الثقافة والهوى والإقامة، عربية اللغة والكتابة والإبداع، عالمية الحس مؤمنة بكل القيم الإنسانية التى تعلى من شأن الإنسان وكرامته وقيمته، واستحقاقه فى الحرية والعدالة والمعيشة الكريمة، سبيكة فذة ونادرة التكوين من خلاصات جواهر كريمة، جمعت ومزجت بين الإمارات ومصر والعالم العربى، والحس الإنسانى الراقى الذى لا يعرف جنسية ولا لونا ولا عرقا ولا دينا ولا مذهبا.. بصورة ليس لها مثيل.