حسابات طهران في مواجهة مقامرة نتنياهو - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 سبتمبر 2024 1:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حسابات طهران في مواجهة مقامرة نتنياهو

نشر فى : الجمعة 2 أغسطس 2024 - 7:35 م | آخر تحديث : الجمعة 2 أغسطس 2024 - 7:35 م

على الرغم من حتمية الرد الإيرانى على اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية فى طهران ومن الاحتمالية المرتفعة لفعل مضاد من حزب الله اللبنانى بعد قتل الجيش الإسرائيلى لفؤاد شكر، ما زلت على قناعتى بكون صناع القرار فى الجمهورية الإسلامية لا يريدون التورط فى حرب مفتوحة مع الدولة العبرية، ولا يفضلون أن ينجرف التصعيد على الجبهة اللبنانية إلى مواجهات غير محسوبة.
لذلك، وحين يأتى الرد الإيرانى فإنه سيعتمد على الأرجح على هجمات على أهداف عسكرية فى إسرائيل سيأتى بعضها من إيران مباشرة وبعضها الآخر من ساحات حلفائها فى العراق واليمن وقليل منها سيضطلع به حزب الله الذى تحسب أفعاله فى إيران ولبنان بميزان دقيق للغاية.
لن تجازف الحكومة الإيرانية برد يخرج الأمر عن السيطرة ويدفع المنطقة إلى هاوية حرب إقليمية، ولن تضغط على حزب الله للمغامرة العسكرية على نحو قد يرتب هجوما إسرائيليا شرسا على بنيته العسكرية والتنظيمية، وذلك بعد أن استثمرت الجمهورية الإسلامية طويلا فى بناء الحزب وتسليحه.
• • •
فى الاستراتيجية الإيرانية تجاه إسرائيل ثمة مكان للمغامرات العسكرية محفوظ للميليشيات العراقية ولجماعة الحوثيين فى اليمن، والمجموعات تلك تظل بعيدة جغرافيا عن قلب الصراع حول فلسطين وليس لها حدود مباشرة مع إسرائيل، ومن ثم تستطيع التورط فى بعض الأفعال محدودة التأثير غير المحسوبة بدقة كإطلاق صواريخ من هنا ومسيرات من هناك. أما الثقل العسكرى الحقيقى لإيران ولحليفها الإقليمى الأول حزب الله، فلن يدفع به إلى محرقة التصعيد غير المحسوب والحرب الواسعة مع طرف إسرائيلى يملك قدرات تدميرية هائلة.
فى الاستراتيجية الإيرانية أيضا ثمة أولوية واضحة لاستهداف الأطراف المعادية من خلال الاستنزاف التدريجى وطويل المدى على النحو الذى مارسته الجمهورية الإسلامية مع حكم صدام حسين فى العراق بين ١٩٧٩ و٢٠٠٣ ثم مع الغازى الأمريكى لبلاد الرافدين بين ٢٠٠٣ و٢٠١١ وعلى النحو الذى وظفه حزب الله فى لبنان إلى أن انسحب الجيش الإسرائيلى من الجنوب فى ٢٠٠٠ ووظفته حماس فى غزة حتى انسحبت القوات الإسرائيلية أحاديا فى ٢٠٠٥.
• • •
بعيدا عن التهويل الدعائى والخطاب الرسمى ذى المفردات الدينية والسياسية الحادة التى تهدد إسرائيل بالفناء مهما أيدها الغرب وتدفع بقرب النصر الإلهى للمقاومة مهما كانت خسائرها الراهنة، فإن الواقع الاستراتيجى والحركى للسياسة الإيرانية هو خليط من مواجهات محدودة ومحسوبة بدقة مع الشيطانين الأكبر الولايات المتحدة والأصغر إسرائيل ومن استنزاف على نار هادئة لمواقعهما فى الشرق الأوسط يستهدف تعميق نفوذ الجمهورية الإسلامية وحلفائها ويؤمن لهم شروطا تفضيلية حين تتفاوض الأطراف المتصارعة إن على مستقبل المناطق الحدودية بين لبنان وإسرائيل أو على دور الميليشيات الشيعية فى العراق والحوثيين فى اليمن أو على مستقبل حماس فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وذلك تحديدا هو ما حدث فى العراق قبيل الانسحاب الأمريكى فى ٢٠١١ واستحوذ على إثره حلفاء إيران على مؤسسات الحكم والدولة.
لكل ذلك، ستشهد الأيام المقبلة على الأرجح بعض الهجمات الإيرانية على إسرائيل، وبعض صواريخ ومسيرات الفصائل العراقية والحوثيين، وبعض ردود الأفعال من قبل حزب الله لتذكير نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة وكذلك القوى الدولية المؤثرة فى القرار الإسرائيلى بالأخطار الواردة على أمن الدولة العبرية والاستقرار الإقليمى ما لم تتوقف الحرب فى غزة وملحقاتها. تلك هى رسائل الردع التى ستطلقها إيران وتستهدف من خلالها إبعاد شبح المواجهة غير المحسوبة والحرب الواسعة من خلال التذكير بكلفتها المرتفعة أيضا على إسرائيل.
تلك هى حسابات إيران وحلفائها، وإزائها يظل السؤال الحاسم هو ما إذا كانت حكومة اليمين المتطرف فى إسرائيل تتخوف من كلفة مواجهة شاملة مع الجمهورية الإسلامية أو من أخطار حرب مع حزب الله اللبنانى تتحول إلى حرب إقليمية مع حلفاء إيران أم تريدهما لاعتبارات داخلية وخارجية متنوعة.
• • •
الشاهد أن الوضع الراهن فى المناطق الحدودية بين لبنان وإسرائيل والهجمات المتبادلة والمتكررة بين حزب الله والقوات الإسرائيلية منذ أكتوبر ٢٠٢٣ وما أسفرت عنه إسرائيليا من تهجير أكثر من ١٠٠ ألف مواطن ومواطنة بعيدا عن مناطق سكنهم، هى عوامل تضغط بشدة على حكومة نتنياهو لتنفيذ إجراءات عسكرية أو سياسية تعيد شيئا من الهدوء والاستقرار وتسمح بإعادة هؤلاء المهجرين إلى مناطقهم. غير أن نتنياهو والمتحالفين معه من اليمينيين المتطرفين، وبينما تطالبهم الولايات المتحدة والدول الغربية بالتعويل على الحل السياسى والدبلوماسى، لا يرون غير التصعيد العسكرى بديلا ممكنا، وتداعب خيالهم ودون حسابات دقيقة للكلفة البشرية والمادية أوهام التخلص من سلاح حزب الله والقضاء على بنيته العسكرية والتنظيمية على النحو الذى يصرون عليه تجاه حماس فى غزة.
والشاهد أيضا أن ما يبدو من اندفاع حكومة نتنياهو نحو مزيد من الضغط على حزب الله بقتل فؤاد شكر ومزيد من الضغط على إيران باغتيال هنية على أرضها ومن ثم تفجير الحرب الواسعة تسانده (وفقا لاستطلاعات الرأى العام) أغلبية واضحة بين مواطنات ومواطنى إسرائيل الذين يتأثرون بخليط اعتبارات منها مسألة المهجرين ومنها القناعة العامة بكون بلادهم تواجه خطرا وجوديا ومنها شعبية سياسات اليمين المتطرف بين قطاعات واسعة من السكان وهى ذات القطاعات التى ما لبثت تساند الحرب المدمرة فى غزة ولا ترى فى الدمار الشامل الذى لحق بالقطاع غير نتيجة لهجمات حماس وتتجاهل حقائق الحصار والاحتلال والاستيطان فى الأراضى الفلسطينية.
ومع اقتراب ما تسميه الحكومة الإسرائيلية «عمليات عسكرية مكثفة» فى غزة من التوقف، قد تكون الحرب الواسعة مع إيران وحلفائها عبر بوابة حزب الله وعلى الرغم من الرفض الأمريكى والأوروبى هى وسيلة نتنياهو وبن غفير وسموتريتش للإبقاء على تماسك حكومتهم وإبعاد شبح الانتخابات البرلمانية المبكرة والاحتفاظ بالأغلبية المؤيدة لهم معبأة شعبيا. بل إن الحرب الواسعة تلك قد تكون وسيلتهم للضغط على الولايات المتحدة وأوروبا للحصول على مزيد من الدعم العسكرى والمالى وبحشد القوى اليمينية والمحافظة فى الغرب لتأييدهم بادعاء مواجهتهم لتهديدات إيران وحلفائها ليس فقط لأمن ومصالح الدولة العبرية، بل للأمن الإقليمى ولمصالح الغرب فى الشرق الأوسط.
حكومة اليمين المتطرف فى إسرائيل هى المقامر الأكبر فى الشرق الأوسط اليوم والطرف الذى يقدم المواجهات العسكرية والحروب على التسويات السياسية والحلول الدبلوماسية. ليست حسابات إيران وحلفائها هى جوهر الخطر الراهن، بل هى مقامرات نتنياهو وحلفائه.

 

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات