هبت على المجتمع فى الفترة الأخيرة مجموعة من الجرائم التى تشكل جرس إنذار اجتماعى بعضها يتعلق بحوادث القتل داخل الأسرة الواحدة، وزيادة وتيرة العنف فى العلاقات الاجتماعية على الأقل فى ضوء المتداول فى وسائل الإعلام، وبعضها يتصل باستمرار أنماط العنف المعتادة.
سهل أن نطرح السؤال الذى تصدر عنوان كتاب مهم للراحل الدكتور جلال أمين «ماذا حدث للمصريين؟»، ولكن من الصعب أن نجيب عنه، والسبب أنه لا يوجد دراسات اجتماعية جادة ترصد التحولات التى تحدث فى المجتمع ــ خاصة فى الأقاليم والقرى ــ أسوة بما يحدث فى الدول المتقدمة، وبديهى فى هذه الحالة أن نتعثر فى الإجابة العلمية عن السؤال المطروح، ونلجأ إلى الكلام العام، والأحاديث المعتادة التى تصلح لتفسير أى شىء وكل شىء دون أن يكون لها أى براعة فى تقديم إجابات محددة على أسئلة محددة.
البحث الاجتماعى الذى يرصد التغيرات فى المجتمع ضعيف، لأن الإمكانات المادية ضعيفة، والباحثون ينقصهم العلم، والثقافة الأكاديمية المناسبة، والقدرات المالية التى تعينهم على الأبحاث الميدانية، وهناك فائض من القلق والخوف تجاه هذه النوعية من الأبحاث التى تجرى على الأرض، ربما لأنها تثير تحفظات وربما شبهات لدى أجهزة الدولة، وتعتقد أنها تفتح بابا لاختراق البنية الاجتماعية للمجتمع المصرى، ويزداد الأمر ضراوة إذا كانت تقف خلف هذه البحوث شراكة مع جهة أجنبية أو تمويل ليس محليا، من هنا يفضل الباحثون العمل المكتبى، أو الالتفاف على إجراء بحوث ميدانية مثل السير فى حقل ألغام بحيث تظهر فى ظاهرها بحثا ميدانيا، لكنه غير ممثل لعينة مختارة بدقة، ويخلو من الأسئلة الجادة، ونظل نردد نفس المقدمات والفرضيات والخلاصات المتعارف عليها.
إذا كانت الدولة ــ بمعنى الحكومة والنظام السياسى ــ يخشى على الوطن من الاختراق نتيجة عشوائية إجراء البحوث الاجتماعية الميدانية، فلماذا لا تلجأ مؤسسات الدولة العلمية ذاتها إلى القيام بهذه النوعية من الأبحاث، تعلن ما تشاء من نتائج، وتحتفظ لنفسها بما تراه حساسا، ولكن تظل بالنسبة لها مؤشرات تهتدى بها فى صنع السياسات العامة فى المجالات المختلفة.
البحث الاجتماعى ليس ترفا، وليس كلام أكاديميين أجوف، وليس «سبوبة» لجمع الأموال، مع الاعتراف بأن هناك حالات انحراف فى هذا المجال، لكنه ضرورى لرصد، وتحليل، والتنبؤ بالتحولات الاجتماعية التى تحدث فى المجتمع، وهو يمثل ضرورة لصانع القرار حتى يمكنه مواجهة هذه التحولات فيما يتخذ من سياسات وقرارات.
طرحت على زملاء باحثين كثيرا لماذا قرى محافظة المنيا الأكثر على مسرح الأحداث الطائفية؟ لم تصلنى إجابة خاصة، ويكتفى كثيرون بترديد الكلام العام حول التطرف، والجماعات الدينية، إلخ، وهو كلام عام، قد يكون فيه بعض الصحة، لكنه لا يفسر بالنسبة لى لماذا تكثر الأحداث الطائفية فى مكان مقارنة بمكان آخر؟ هل لأن التطرف محصور فى منطقة جغرافية معينة؟ أو أن الداعية المتطرف ليس له وجود إلا فى أماكن محددة؟
من حق الحكومة أن تتخذ ما تراه من سياسات لحماية الأمن القومى، ولكن أيضا من صالحها قبل أى شىء أن تكون لديها دراسات اجتماعية جادة تهتدى به فى مسار عملها.