بيب دراكيولا - حسن المستكاوي - بوابة الشروق
السبت 28 سبتمبر 2024 7:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بيب دراكيولا

نشر فى : الأربعاء 2 نوفمبر 2016 - 11:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 2 نوفمبر 2016 - 11:00 م
** طالت الإجازة، طلبا لها بعد 40 عاما من الكتابة المتصلة، فبعد سنوات من المحاولة، وتكرار طرح قضايا طرحت، ومشاكل عرضت، وحلول اقترحت يمكن أن تصاب بالملل ويمكن أن تشغلك مسئوليات جديدة، خاصة أن المادة ذاتها محور الكلام تبدو مثل فيلم بطىء بالأبيض الأسود فى زمن زاخر بالألوان ويسابق فيه البشر ومضة فلاش كاميرا الموبايل، فمازالت فرق كرة القدم المصرية تلعب كثيرا من كراتها الثابتة بقفز لاعب فوق الكرة ليتقدم ويسددها لاعب آخر، تماما كما كان الضظوى يفعلها ويسددها مكاوى فى الخمسينيات من القرن الماضى.

** الإبداع وجمال الأداء هو ما أخرجنى من تلك الإجازة التى طالت. هكذا جلست أتابع مباراة مانشستر سيتى وبرشلونة على ملعب الاتحاد. كنت مشدودا، كنت مبهورا، كنت مستمتعا، كنت أسفا لأننى من جيل تربى على أن «الكورة أجوان»، بينما هى فى جوهرها الحقيقى صراع. وكم كان الصراع رفيعا ونظيفا وممتعا بين سيتى وبرشلونة. محاولة ثم محاولة مضادة. دفاع بأكبر عدد هنا وهجوم بأكبر عدد هناك.. ودخول صندوق المنافس بستة لاعبين. وتجلس تتابع ويصيبك التعب كأنك أنت الذى تجرى. ثم تعلو قيمة الصراع بالأهداف الجميلة الحافلة بالابتكار.. فكل هدف من الأربعة فيه فكرة ومن إنتاج جملة. حتى هدف البلجيكى دى بروين، فكان ضربة مباشرة من لعبة مباشرة من مسافة 26.2 ياردة، وبسرعة 84 كيلومترا فى الساعة لتقطع الكرة المسافة فى ثانية و2 من المائة من الثانية.. وتجد فى هذا القياس إبداعا آخر وسط محيط يقيس الزمن بالفترة ما بين الظهر والعصر.

** دى بروين هو اللاعب المفضل عند بيب جوارديولا. فهو يقول عنه: «يفعل بالكرة ما يشاء. يراوغ حين يجب أن يراوغ. يمرر حين يجب أن يمرر. يقرر حين يجب أن يقرر». إنها واحدة من المرات النادرة التى تابعت فيها مباراة وشجعت طرفيها. كأنى فى فيلم حافل بالدراما التى تشهد صراعا بين بطل وبطل. بين خير وخير وليس كما هو معتاد بين بطل وغبى. أو بين خير وشر. ولو كان ممكنا لرشحت تلك المباراة لجوائز الأوسكار.

** فى تلك المباراة قيمة مهمة.. هى الإخلاص.. إخلاص لاعبى الفريقين للعبتهم وصناعتهم ولجماهيرهم، بجانب القيم المعروفة التى جعلت كرة القدم لعبة شعبية لا تنافسها لعبة أخرى. ففيها النضال والكفاح، واللياقة والسرعة. والمهارة الفردية والجماعية. والتكتيك الممتاز، وفيها صيحة الكرة الجديدة أو ما يعرف بـ counter pressing أو الضغط المرتد. وهو تكتيك أبدع فيه جوارديولا ويورجن كلوب وكلاهما ورثه عن أريجو ساكى مدرب إيه. سى ميلان. والفكرة البسيطة من هذا التكتيك هو حرمان الخصم من بناء هجمات مرتدة فى الفترة التى يتحول فيها الفريق من حالة الهجوم إلى الدفاع. فلم يعد مفيدا العودة إلى ما يسمى بدفاع المنطقة، ففى تلك اللحظة يمكن أن يشن الخصم هجومه المضاد قبل أن تنظم صفوفك.. وفى هذا التكتيك يجبر من يستخدمه منافسه على إرسال كرات طويلة قد تضيع عند أجساد مدافعى الفريق الآخر. وقد فعل ذلك الفريقان. برشلونة ومانشستر سيتى.

** لهذا السبب انتظروه. لهذا السبب تعاقدوا معه. لهذا السبب منحوه سلطة مطلقة. إنها اللحظة التى ينتصر فيها سيتى على برشلونة لأول مرة فى دورى الأبطال. وهى اللحظة التى عبر فيها جوارديولا عن فلسفته أمام أقوى فريق فى العالم.. وهكذا خرج المدرب الإسبانى من هذه المباراة بلقب: بيب دراكيولا.
حسن المستكاوي كاتب صحفي بارز وناقد رياضي لامع يعد قلمه وكتاباته علامة حقيقية من علامات النقد الرياضي على الصعيد العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة ، واشتهر بكتاباته القيمة والرشيقة في مقالته اليومية بالأهرام على مدى سنوات طويلة تحت عنوان ولنا ملاحظة ، كما أنه محلل متميز للمباريات الرياضية والأحداث البارزة في عالم الرياضة ، وله أيضا كتابات أخرى خارج إطار الرياضة ، وهو أيضا مقدم برنامج صالون المستكاوي في قناة مودرن سبورت ، وهو أيضا نجل شيخ النقاد الرياضيين ، الراحل نجيب المستكاوي.