رسالة إلى المواطن المصرى العامل فى الجمعيات الأهلية - رانية فهمى - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 7:18 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة إلى المواطن المصرى العامل فى الجمعيات الأهلية

نشر فى : الجمعة 2 ديسمبر 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 10 ديسمبر 2016 - 6:30 م
هذه الرسالة إلى المواطن المصرى الذى يعمل أو سيعمل فى جمعية/مؤسسة أهلية ستنشأ أو منشأة فعلا وفقا لقانون تنظيم العمل الأهلى، الذى أعده ووافق عليه مجلس النواب يوم 29 نوفمبر الماضى. يمكن أن يكون هذا المواطن مؤسسا لجمعية، عضوا لمجلس إدارتها، موظفا بها أو متبرعا لها سواء بشخصه أو بشركته مقيما فى مصر أو خارج مصر.

«عزيزى المواطن»:
إذا كنت تعتبر أن عملك فى المجال الأهلى هو الذى يعطى لحياتك معنى وهدفا وليس فقط وظيفة، فاسمح لى أن أقدم لك بعض ملامح تغيير هذه الحياة بعد صدور قانون ينظم عمل جمعيتك:
عند تقدمك للجهة الإدارية بطلب تأسيس الجمعية، عليك إخطار هذه الجهة، واستيفاء جميع المستندات الواردة فى القانون وإذا كان هذا هو تعريفك لمعنى «الإخطار» وفقا للمادة 75 من الدستور فأنت مخطئ إذ عليك انتظار 60 يوم عمل أى ثلاثة أشهر كاملة حتى يُبَت فى طلب قيد الجمعية ومن ثَم أعتقد هنا أن الإخطار ينقلب ترخيصا.
وإذا لم يصلك الرد خلال هذه المدة فأنت لا تعرف ما الذى عليك عمله، حيث كان يجب النص على اعتبار عدم الرد موافقة ويمكنك بمقتضاها بدء العمل. أما إذا جاء الرد برفض القيد فلك الحق فى تصويب الخطأ أو استيفاء البيانات أو الطعن أمام المحكمة المختصة.
عند تحديد أغراض الجمعية يجب تجنب الأنشطة المؤَثمة فى قانون العقوبات أو أى قوانين عقابية أخرى أو الأنشطة المحظورة ومن ضمنها المخلة للأمن الوطنى أو النظام العام أو الآداب العامة. ولكن بما أن تعريف هذه الأنشطة لم يرد فى القانون، فيجب عليك انتظار صدور اللائحة التنفيذية خلال شهرين من نفاذ القانون علها تتضمن هذه التعريفات. وفى كل الأحوال يجب عليك تجنب أنشطة التوعية الحقوقية والقانونية والدستورية، حيث أن هذه الجملة تم حذفها من مسودة سابقة، حتى لو كان ركنا أصيلا فى عملك هو توعية وتدريب الفئات المستفيدة من برامج الجمعية على حقوقهم وهى الحقوق المنصوص عليها فى الدستور مثل الحقوق التعليمية والاقتصادية، وحقوق المرأة والطفل.. إلخ.
ويجب عليك سداد مبلع 10.000ج مقابل قيد الجمعية فى الجهة الإدارية حتى لو كنت تريد تأسيس جمعية بموارد محدودة.
إذا كنت من أعضاء مجلس الإدارة فيجب عليك تقديم إقرار ذمة مالية عند تقديم شروط العضوية وخضوعك للجهاز المركزى للمحاسبات طوال فترة عضويتك التى هى فترة عمل تطوعى فى الأساس لا تتقاضى عليه أجرا.
أما إذا كان لديك جمعية قائمة بالفعل فعليك توفيق أوضاعها وفقا لهذا القانون خلال سنة من تاريخ العمل بهذا القانون، وإذا لم تقم بذلك فإن المحكمة المختصة تقضى بحلها وليس لك حق الاعتراض أو الطعن على القرار وفقا لأحكام هذا القانون. وهنا وللعلم يجب عليك معرفة أنه وفقا للدستور «مادة 97 التى تنص على حظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء» لا توجد قرارات إدارية محصنة من الطعن. وأتخيل أنك تريد أن تجد فى قانون واحد كل حقوقك وواجباتك بدلا من البحث عنها فى تشريعات أخرى.
***
لو استطعت المرور بسلام بخطوات التأسيس أو توفيق الأوضاع، يجب عليك الالتزام بهذه الاشتراطات الهامة أثناء مزاولتك عملك:
ليست الجهة الإدارية التى بالمناسبة لم تذكر بالاسم أنها وزارة التضامن الاجتماعى فى أى مادة من مواد القانون هى الجهة الوحيدة التى عليك أخذ الموافقات والتصاريح منها لمزاولة أنشطة الجمعية، فهناك جهاز استُحدث فى القانون يُسمى «الجهاز القومى لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية الغير حكومية» والمكون من عشر جهات حكومية منها خمس أمنية ورقابية عليا (الدفاع والداخلية والمخابرات ووحدة غسيل الأموال والرقابة الإدارية، وليس به عضوا واحدا من المجتمع المدنى والمنظمات الأجنبية المعنية أساسا)، هاتان الجهتان سيصدران موافقات تخص صميم عملك اليومى:
فى كل مرة تقوم باستطلاعات رأى أو بحوث ميدانية أو نشر أو إتاحة نتائجها يجب عرضها على «الجهاز» «للتأكد من سلامتها وحيادها». وأكاد أرى نظرة الجزع فى عينيك أيها المواطن حيث بدون شك ستتفق معى أنه لا يعقل أبدا أنه فى كل مرة تقوم بها الجمعية ببحوث ميدانية لمعرفة احتياجات الفئة المستهدفة أو لقياس أثر البرامج التى تقوم بها الجمعية على المستفيدين، تحتاج لموافقة «الجهاز»، لسبب واضح أن جمعيتك أساسا تخضع لرقابة الجهة الإدارية أصلا بدون إضافة المزيد من الأعباء فى عملها.
وإذا لم تلتزم بهذا الشرط فسوف تعرض نفسك للحبس الذى قد يصل من سنة لخمس سنوات ولغرامة من 50.000ج إلى مليون جنيه!
إذا أردت التوسع بفتح مقر أو عدة مقار فى المحافظات يجب عليك الحصول على موافقة كتابية من الوزير المختص أو من يفوضه ولم يحدد القانون المدة الزمنية للحصول على هذه الموافقة.
وفى كل مرة تريد ضم أنشطة جمعيتك لجمعية أخرى محلية تعمل فى نفس المجال لتكون منظومة متكاملة من الخدمات للفئات المستفيدة، يجب عليك الحصول على ترخيص الجهة الإدارية. وليس لدى رد على تساؤلك عن منطقية هذا الشرط حيث أنه من المفترض تشجيع العمل الجماعى والتعاون بين الجمعيات بدون الحصول على ترخيص بذلك.
أما فى حالة امتناعك «عمدا» عن تمكين الجهة الإدارية من متابعة وفحص أعمال الجمعية أو نقلت مقر جمعيتك إلى مكان بخلاف المُخطر به، تعاقب بحبس لا يزيد على سنة أو بغرامة بين 20.000ج إلى 500.000ج.
نأتى إلى الجزء الحيوى من عملك وهو الحصول على التمويل، فإذا استطعت تكوين شبكة من الممولين الأفراد الداعمين لأنشطة جمعيتك لأنهم وثقوا فيها وفى كفاءة عملها، فعلى هذا المتبرع المصرى أو الأجنبى داخل أو خارج مصر ألا يزيد حجم تبرعاته على 10% من صافى دخله. ولا تَسَل لماذا هذا القيد على المتبرع الذى هو من المفترض أنه حر فى طرق صرف ماله الخاص. ولكن هناك خبر سار: ففى إمكان المتبرع إيداع المبالع التى تزيد على 10.000ج عبر أحد البنوك الخاضعة لرقابة البنك المركزى أو بشيك مصرفى.
وإذا استطعت إقناع المتبرعين بتجاوز هذه المسائل، فعليك إخطار الجهة الإدارية عند تلقى الجمعية التبرعات بـ30 يوم عمل (شهر ونصف) وصدور الموافقة لذلك وتقوم الجهة الإدارية بإخطار «الجهاز». ومعنى ذلك أنه كل مرة تحصل على تبرع أى مبلغ من المال ــ حتى لو مائة جنيه عليك اتخاذ هذه الخطوات وألا تعتبر مخالفا وتطبق عليك العقوبة.
أما إذا استطعت إقناع جهة مانحة محلية وأجنبية بداخل مصر أو فرد أو جهة تمويل مصرية أو أجنبية من خارج مصر بتمويل برامج الجمعية، وأنا أعلم أن ذلك شىء فى حد ذاته فى غاية الصعوبة، حيث تتنافس الجمعيات على المنح وتتقدم بمقترحات لمشروعاتها يتم البت فيها من الجهة المانحة بعد عدة أشهر قد تصل لعام كامل، يجب عليك الانتظار 60 يوم عمل (ثلاثة أشهر) أخرى حتى يقوم «الجهاز»، بالنظر فى طلبات المنح والهبات وله فى هذه المدة الاعتراض على طلب التمويل.
وإذا لم يصلك رد فى خلال هذه المدة فعليك اعتبار ذلك عدم موافقة!!! ومرة أخرى لا تعرف ما الذى ينبغى عليك عمله خاصة أن الأموال أودعت فى حسابك البنكى ولكنك لا تستطيع مسها. ولا يكون بوسعك فى هذه الحالة إلا التوقف عن هذا المشروع أو إلغاء فكرته من الأساس.
أما فى حالة تلقيك تمويل من أفراد أو جهات مصرية داخل البلاد، عليك الانتظار 30 يوم عمل (شهر ونصف) حتى تحصل على موافقة الجهة الإدارية التى يجب عليها إخطار «الجهاز». ولا تَسَل أيضا عن منطقية هذا الشرط الأخير حيث من المفترض أن يكون الجهاز معنيا فقط بالتمويل الأجنبى.
وأثناء محاولاتك المستميتة هذه فى تنمية موارد الجمعية سواء عن طريق التبرعات أو المنح، إذا لم تلتزم بهذه التعليمات فأنت مهدد بالحبس من سنة إلى 5 ستوات والغرامة من 50.000ج إلى مليون جنيه، وعليك بالإضافة للغرامة رد ضغف ما تلقيته أو جمعته من أموال.
وحتى إذا لم تلجأ للمنظمة الأجنبية بطلب تمويل ولكن فقط بإبرام تعاون أيا كانت صورته معها فأنت أيضا مهدد بحل الجمعية إذا لم تحصل على موافقة «الجهاز» مسبقا.
وفى كل الأحوال فأنت لا تعلم إذا كانت هذه المنظمات الأجنبية ستستمر أساسا فى العمل فى مصر بعد تغيير طبيعة عملها وفقا لهذا القانون خاصة بعد فرض مبلغ 300.000ج رسوم طلب تصريح العمل وطلب تجديده أو تعديله أو ما يعادله بالدولار الأمريكى وزيادة هذا المبلغ بما يعادل 20% كل خمس سنوات.
وفى حالة ما أُغلقت أمامك سُبُل التمويل من أشخاص وجهات مانحة فدعنا نفكر فى بدائل أخرى للاستمرار فى عملك: هل هى طرْق أبواب إدارات المسئولية الاجتماعية للشركات وهى التى تتبنى مشروعات تنموية لتمويلها وفقا لأولويات مجالس إداراتها؟ يجوز ولكن سيكون عليك المرور بكل الخطوات السابقة لخضوع هذه الأنشطة فى الشركات للقانون. أم هل يمكنك التوجه لصندوق دعم الجمعيات والمؤسسات الأهلية لتوفير الدعم المالى لاستمرارية أنشطة جمعيتك وفقا لهذا القانون والذى ساهمت جمعيتك أصلا فى تنمية موارده؟ أم الحل فى التقدم بطلب تمويل من أموال الأوقاف الخيرية التى من المفترض صرفها فى أوجه مشابهة لأنشطة جمعيتك؟ هل هناك مصادر تمويل أخرى لم أفكر فيها؟
عزيزى المواطن المصرى: إذا فكرت بعد كل ذلك أنك لا زلت تريد الاستمرار فى العمل الأهلى ولكن خارج نطاق أحكام هذا القانون كأن تنشىءمثلا شركة أو أى كيان آخر، ستتصدى لك المادة 27 من هذا القانون التى تُخضع لرقابة الجهة الإدارية أى أنشطة تدخل ضمن أغراض عمل الجمعيات أيا كان شكلها القانونى وفى حالة عدم التزامك سيكون عقابك بالحبس والغرامة معا دون أى تخيير يترك للقاضى.
***
وختاما، لن أستطيع التهوين عليك من حجم المحنة أو توجسك خيفة لشعورك بأنك متهم إلى أن تثبت براءتك أو حتى قلقك الشديد على عملك كشريك فى العمل الأهلى أو تجاه المواطنين المستفيدين من برامج الجمعية الذين سيتأثرون من بطء أو عدم وصول الخدمات إليهم. لن أستطيع التهوين عليك لسبب واحد: إننى مثلك تماما أعمل فى نفس المجال وسوف تتغير حياتى كما ستتغير حياتك، فهل يراودك نفس شعورى بأنك تود حل جمعيتك وتترك المجال تماما وتساعد فى غلق الباب الذى يجيلك منه الريح أم أن هناك بارقة أمل قد تظهر بعد حين؟».
يستند المقال للنسخة النهائية المنشورة في جريدة اليوم السابع عدد 29 نوفمبر 2016 بعد الموافقة النهائية من مجلس النواب وبعد مراجعتها من مجلس الدولة.
التعليقات