قانون الجمعيات الأهلية.. ابتداع وحش حكومى جديد - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:54 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قانون الجمعيات الأهلية.. ابتداع وحش حكومى جديد

نشر فى : الجمعة 2 ديسمبر 2016 - 9:55 م | آخر تحديث : الجمعة 2 ديسمبر 2016 - 9:55 م
فى بضعة أيام، انتقل مجلس النواب من الموافقة المبدئية إلى الموافقة النهائية على مشروع قانون الجمعيات الأهلية الذى تقدم به برلمانى وأدخل عليه مجلس الدولة تعديلات محدودة ولم يحظ بنقاش تفصيلى داخل أروقة المجلس. حدث ذلك، على الرغم من الطبيعة غير الديمقراطية الصريحة للقانون ومن عاصفة الانتقادات المشروعة التى واجهت بها جمعيات أهلية كثيرة القانون فى صيغتيه المبدئية والنهائية. حدث ذلك، ليؤكد مجددا دور البرلمان فى تمكين السلطوية الحاكمة فى مصر من القضاء الفعلى على حرية التنظيم التى يكفلها الدستور واستكمال حلقات حصار المجتمع المدنى وتعقب المنشغلين بالعمل الأهلى وإغلاق الفضاء العام وإهدار الحريات العامة.
يقر القانون فى المادة 2 حق تأسيس الجمعيات الأهلية بموجب إخطار يقدم للوزارة المختصة، غير أنه يعود فى المادة 9 ويلغيه عملا بإعطاء الوزارة صلاحية رفض التأسيس دون الاحتكام المسبق إلى الجهات القضائية المختصة (محكمة القضاء الإدارى). بل إن المادة 9 تعدد أسباب رفض التأسيس على نحو يمزج بين إشارات لأسباب فنية كعدم استيفاء بيانات وملحقات الإخطار وبين النص على أسباب فضفاضة كأن يكون من بين أغراض الجمعيات «نشاطا محظورا أو مؤثما» وفق قانون العقوبات أو أى قانون آخر.
فى مادتيه 13 و14، يتجاوز القانون النص على حظر تقليدى يرتبط بممارسة الجمعيات الأهلية لنشاط يدخل فى نطاق عمل الأحزاب السياسية (كاجتذاب مواطنين للانضمام إلى أحزاب بعينها أو الدفع بمرشحين فى الانتخابات أو تنظيم وإدارة حملات الدعاية الانتخابية) إلى مستويين إضافيين من الحظر يتصل أحدهما بعمل الجمعيات فى مجالات «تدخل فى نطاق النقابات المهنية أو العمالية» بينما يرتبط الآخر بمجالات توصف كـ«ضارة» بالبلاد.
***
دون لبس، يستهدف الفصل بين الجمعيات وبين النقابات المهنية والعمالية تصفية الحاضنة الأهلية الداعمة لحقوق وحريات أعضاء النقابات وللحراك النقابى بحيث يترك عمال كعمال الترسانة البحرية بالإسكندرية المحالين حاليا إلى القضاء العسكرى وعمال النقل العام المحالين حاليا أيضا إلى نيابة أمن الدولة العليا دون دعم حقوقى تقدمه لهم جمعيات أهلية مسجلة رسميا، وبحيث يجرم التضامن الأهلى مع مقاومة نقابات كنقابة الأطباء ونقابة الصحفيين لقبضة السلطوية الحاكمة، وبحيث تقوض فرص كيانات تنشط للدفاع عن النقابات كالمركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ودار الخدمات النقابية والعمالية للتسجيل كجمعيات أهلية ويظل سيف التعقب والعقاب معلق على الرقاب. دون لبس أيضا، ليس للنص على حظر نشاط الجمعيات فى المجالات الضارة «بالأمن القومى والنظام العام والآداب العامة والصحة العامة» مع امتناع القانون من جهة عن تقديم تعريف موضوعى ومنضبط لتلك المجالات وإدراجه من جهة أخرى للمفاهيم المطاطية المعتادة فى قوانين السلطوية المصرية كالأمن والنظام والآداب دون تحديد دقيق للمضامين المرتبطة بها، ليس له من هدف سوى إخضاع المنشغلين بالعمل الأهلى لتهديدات دائمة من قبل السلطات بالتجريم والحظر والعقاب.
بعد ذلك، تتوالى مواد قانون الجمعيات الأهلية الجديد (يتكون القانون من 89 مادة يسبقها ثمانى مواد تمهيدية وانتقالية) مدفوعة بإرادة سلطوية صريحة للقضاء على حرية التنظيم والسيطرة الأمنية على الجمعيات وإحكام حصار المجتمع المدنى إلى حدود إلغاء الوجود. يبتدع القانون جهة حكومية جديدة يسميها «الجهاز القومى لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية» (المواد من 70 إلى 77) ويضع به ممثلين لوزارات أبرزها الخارجية والدفاع والعدل والداخلية والوزارة المختصة ولمؤسسات أبرزها المخابرات العامة والبنك المركزى وهيئة الرقابة الإدارية. على الرغم من أن مسمى الجهاز يوحى باقتصار دوره على ما يتعلق بالمنظمات الأجنبية غير الحكومية، إلا أن تحديد القانون لاختصاصاته وصلاحياته يجعل منه الجهة الحكومية الأهم فى إدارة شئون الجمعيات وعموم العمل الأهلى.
فالجهاز المشكل بحضور أمنى مكثف بين لا يختص فقط بالموافقة على التأسيس أو التصريح للمنظمات الأجنبية غير الحكومية بممارسة النشاط فى مصر، وبمراقبتها وبالتمديد الزمنى لتصاريحها أو إلغائها، وبالتصريح لها بإرسال ونقل وتحويل أموال وتبرعات إلى أشخاص وجمعيات فى الداخل والخارج، وبالتصريح للمصريين وللجمعيات الأهلية المصرية بالحصول على أموال وتبرعات من الخارج. بل تمتد اختصاصاته وصلاحياته إلى مجالات لا تتعلق بالمنظمات الأجنبية غير الحكومية أو بالتعاون بينها وبين جمعيات مصرية، وعلى نحو يشرعن قانونا للسيطرة الأمنية والاستخباراتية المباشرة على الجمعيات ويحد كثيرا من دور الوزارة المختصة التى لم تكن فى الماضى البعيد والقريب تدير شئون الجمعيات بمعزل عن «التوجيهات» الأمنية.
«فالجهاز»، من بين أمور أخرى عديدة، يخطر من قبل الوزارة بطلبات الجمعيات للحصول على تبرعات من مصريين، ويؤخذ «رأيه» بشأن تلقى الأموال والتبرعات من أجانب وهيئات أجنبية من داخل البلاد أو من مصريين وأجانب من خارج البلاد قبل تلقيها ــ أى له حق الرفض المسبق، ويستطيع الاعتراض لاحقا اللاحق على التصريح بالحصول على أموال وتبرعات – أى له حق الرفض اللاحق (المادة 24). «والجهاز» يكلف «بالتأكد من إنفاق» أموال الجمعيات الأهلية المصرية فى الأغراض المخصصة لها وله حق الاطلاع على حساباتها البنكية (المادة 71)، علما بأن القانون يخضع الجمعيات لرقابة شاملة من قبل الجهاز المركزى للمحاسبات (المادة 15).
بهذه الاختصاصات والصلاحيات يصير «الجهاز» وحشا حكوميا إضافيا حتما سيخيف المواطن المصرى من التبرع للجمعيات الأهلية المصرية لكى لا يتحول إلى اسم يراقب أمنيا واستخباراتيا، وسيقلل بالتبعية من الأموال المتاحة لجمعيات تضطلع بأنشطة خيرية واقتصادية واجتماعية وتنموية يحتاجها المجتمع بفداحة. يصنع القانون من «الجهاز» وحشا إضافيا يهدد الجمعيات الأهلية المصرية بالتعقب والتجريم والعقاب فى جميع سياقات وجودها تأسيسا وتسجيلا وممارسة للنشاط وجمعا شرعيا للأموال والتبرعات وإنفاقا لها، ما لم تمتثل هى أيضا «للتوجيهات» الأمنية، ويقضى من ثم على حرية التنظيم للمصريين ويهدد بقاء العمل الأهلى كركيزة أساسية لاستقرار وأمن المجتمع بمضامين الاستقرار والأمن الحقيقية. يصير الجهاز وحشا حكوميا إضافيا سينهى حضور العدد القليل المتبقى من منظمات أجنبية غير حكومية ويجمد ما استمر من علاقات تعاون بينها وبين الجمعيات الأهلية المصرية بخلط فادح بين أعمال الرقابة المشروعة للحكومة المصرية على المنظمات الأجنبية وتعاونها مع جمعيات وطنية (حق سيادى) وبين الحصار الأمنى والإدارى للمنظمات الأجنبية والنظر إليها كجهات تتعمد الإضرار بمصالح البلاد وتمارس التمويل غير الشرعى واعتبار الجمعيات الوطنية المتعاونة معها كيانات هدامة وإجرامية. والنتيجة الكارثية هنا هى عزل الجمعيات المصرية عن نظيراتها الأجنبية، واستمرار إحكام الحصار على المجتمع المدنى المصرى الذى تهاجمه السلطوية الحاكمة بشراسة.
***
ثم تأتى المواد الأخيرة من قانون الجمعيات الأهلية الجديد (المواد من 86 إلى 89) لتتوسع فى إدخال العقوبات السالبة للحرية وتصطنع منها ومن عقوبات إدارية ومالية كثيرة منظومة متكاملة لترهيب الناس من مجرد الاقتراب من الجمعيات الأهلية وتجريد المنشغلين بالعمل الأهلى من ممارسة حقهم المكفول دستوريا فى حرية التنظيم دون قمع ومواصلة الإهدار الممنهج للحريات العامة التى تمعن قوانين ما بين 2013 و2016 فى إهدارها والعصف بها.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات