فى ختام لقاء وزير التعليم محمد عبداللطيف مع رؤساء تحرير الصحف وكبار الإعلاميين قبل ثلاثة أسابيع، سأل الوزير الحضور، قائلًا: أى نظام تفضلون لأبنائكم: الثانوية العامة بنظامها الحالى التقليدى أم بنظام البكالوريا الجديد؟!
قلت للوزير مداعبًا: هذا سؤال موجه. وأظن أن غالبية الناس فى مصر ستفضل نظام البكالوريا، فلا يوجد عاقل يعارض التحديث والتطوير بالشكل الذى تم الإعلان عنه، لكن السؤال الجوهرى هو: هل هناك معلمون وأدوات ومدارس وموارد كافية حتى يمكن تطبيق النظام الجديد فعليًا على أرض الواقع؟
ردًا على بعض أسئلتى قال الوزير بوضوح إن الفلسفة الرئيسية فيما يتعلق بالتمويل هى أن نحل جميع مشاكلنا بالإمكانيات المتاحة. قلت له إن أجور ومرتبات غالبية المعلمين شديدة التدنى فكيف سيطبق هذا المعلم النظام الجديد فى ظل هذا الوضع، وفى ظل العجز الفادح فى أعداد المعلمين؟
الوزير رد بالقول إن المعلم المصرى على أعلى مستوى عالميًا، وإن أحد أهداف الوزارة الأساسية فى المرحلة المقبلة هو تحسين دخل المعلمين.
النقطة المهمة هنا أن حل مشكلة الكثافة ونقص المعلمين لن يتم ببناء مزيد من الفصول أو تعيين معلمين جدد، بل يعمل فترتين دراسيتين وتقليل عدد الحصص، وإلغاء غالبية غرف وفصول الأنشطة.
النقطة الجوهرية الأخرى هى ضرورة التأكد من أن طلاب الشهادات خصوصًا الإعدادية والثانوية توجد لديهم فصول حقيقية يذهبون إليها، لأنها لم تكن متاحة، وبالتالى يذهبون فقط إلى السناتر.
وجهة نظر الوزير التى كررها كثيرًا من قبل أن تقليل عدد المواد الدراسية وكذلك الحصص، وفر أعدادًا كبيرة من الفصول والمدرسين، وبالتالى ساهم فى حل المشكلة من دون أن يكلف الدولة أى موارد إضافية.
ربما يكون ما يقوله الوزير فى هذا الصدد يمثل حلًا مؤقتًا، لكن علينا أن نتذكر أننا بهذا المعنى ألغينا كل الأنشطة تقريبًا، فلا توجد فصول أو معلمون، وثانيًا لم يعد هناك وقت كافٍ يقضيه الطالب فى المدرسة، لأن هناك فترة دراسية ثانية بعد الظهر أو ربما قبل الظهر. والسؤال الجوهرى هنا هل لدينا معلمون مؤهلون فعليًا للتدريس فترتين دراسيتين من الصباح الباكر حتى ما بعد العصر أو قبل المغرب؟
مرة أخرى نظام البكالوريا الذى يقترحه الوزير محمد عبداللطيف ممتاز جدًا على المستوى النظرى، والمطلوب أن نتأكد تمامًا من نجاحه على المستوى العملى.
شخصيًا كنت مقتنعًا تمامًا وما زلت بالنظام الذى أقترحه الدكتور طارق شوقى، ولا أعرف حتى الآن المعوقات والعراقيل التى وضعت أمامه بفعل لوبى كبير فى قطاع التربية والتعليم.
أؤيد تمامًا مقترح «البكالوريا»، لأنه سيقضى على بعبع الثانوية التى صارت عبئًا كبيرًا على المجتمع بأكمله، لكن ما الذى سوف يضمن أن الدروس الخصوصية سوف تختفى، ولن تزيد.
للأسف الدروس الخصوصة صارت جزءًا من فلسفة التعليم فى مصر، بفضل الثقافة السائدة لدى غالبية الأسر المصرية، وبسبب التشوهات الكثيرة فى العملية التعليمية.
أتفق تمامًا مع ما قاله نقيب المعلمين خلف الزنانى بعد لقائه مع الوزير بضرورة توافر مستوى مرتفع من الجودة التعليمية وتطوير شامل للبنية التحتية بالمدارس، خصوصًا التكنولوجيا والمعامل وتدريب المعلمين بشكل يعتمد الأساليب الحديثة.
للمرة الأخيرة نظام البكالوريا ممتاز، لكن لكى ينجح لا بد من التأكد من وجود الأدوات والإمكانيات والموارد الكافية والأساسية لتطبيقه، وإلا سوف نكرر نفس التجارب السابقة لا قدر الله.
لا يوجد شك أنه لا أمل لتقدم مصر من دون تعليم جيد ومتطور وعصرى.
وعلينا أن ندرس النظام الجديد بكل تفاصيله وألا نتعجل حتى لا نكرر التجارب السابقة غير الناجحة أو غير المكتملة، وهى النقطة التى أثارها غالبية الزملاء الصحفيين الذين حضروا اللقاء مع الوزير محمد عبداللطيف.