كيف يمكن للاتحاد الأوروبى مساعدة مصر فى إدارة انتقال آمن نحو الديمقراطية؟ كان هذا ما أراد معرفته رئيس الوزراء البريطانى وعدد من وزراء خارجية الدول الأوروبية وسفرائها المعتمدين بالقاهرة ممن جمعتنى بهم لقاءات خلال الأيام الماضية.
والمؤكد أن الأوروبيين يشعرون بتعاطف بالغ مع ثورة 25 يناير ومطلبيتها الديمقراطية. ويرغبون بالفعل فى تقديم يد العون لمؤسسات الدولة والقوى الوطنية والحركات الشبابية، وتوظيف الخبرات التى اكتسبوها فى مراحل الانتقال الديمقراطى فى دول كإسبانيا والبرتغال واليونان (السبعينيات) وأوروبا الشرقية والبلقان (التسعينيات) فى السياق المصرى. إلا أن النوايا الأوروبية الطيبة تعانى من صعوبات عدة تحول دون ترجمتها إلى سياسات فعالة.
فمن جهة، يتردد الأوروبيون فى التجاوب مع المطالب الحكومية المصرية المتعلقة بتقديم دعم مالى وتنموى يساعدنا على مواجهة الصعوبات الاقتصادية الراهنة، ويبررون ذلك بالضعف الذى أصاب مؤسسات الدولة وتفشى الفساد ومحدودية الالتزام بمعايير الشفافية.
من جهة ثانية، ينزع البعض فى الاتحاد الأوروبى إلى تبسيط هدف دعم الانتقال الديمقراطى فى مصر إلى عروض بتقديم المساعدات التقنية واللوجيستية والمالية للأحزاب والقوى الوطنية والحركات الشبابية، دون تدبر هادئ فى التداعيات المحتملة للمساعدات هذه أو تأمل فى المشهد الأكبر للانتقال الديمقراطى فى مصر وقضاياه. من جهة ثالثة، يتردد الأوروبيون أيضا فى مساعدة مصر على التعامل مع التحديات الإقليمية الخطيرة التى نواجهها إن على حدودنا الغربية مع ليبيا أو على حدودنا الشرقية مع فلسطين وإسرائيل أو فى حوض النيل بعد أو وقعت بوروندى على الاتفاقية الإطارية الخاصة بالحوض وأدخلتها بذلك حيز التنفيذ.
وأحسب أن المطلوب من الأوروبيين اليوم هو التخلى عن ترددهم وحذرهم فيما خص الدعم المالى والتنموى، فنحن فى أمس احتياج له. وتستطيع دول الاتحاد أن تضيف مشروطية تتعلق بمعايير الشفافية والنزاهة تعطى مؤسسات الدولة حوافز للإصلاح المنظم. يتعين على الأوروبيين كف أياديهم عن الأحزاب والقوى الوطنية والحركات الشبابية، إن كانت هذه الأيادى لا تتحرك إلا لعرض المساعدات. فمثل هذه المساعدات ستضر بمصداقية الأحزاب والقوى المختلفة وهناك توافق بين قطاعات واسعة من النشطاء على الابتعاد عنها.
من الأفضل للأوروبيين النظر فى صياغة حزمة مساعدات فنية ومالية توجه للمؤسسات الرسمية القائمة على إدارة الإصلاح الدستورى والقانونى والسياسى والمضطلعة بتنظيم الاستفتاء على التعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية. يمكن لهم أيضا نقل خبراتهم التى اكتسبوها فى أوروبا وخارجها فى سياق مراحل انتقال ديمقراطى مشابهة للحالة المصرية الآن على نحو مؤسسى يخاطب الدولة والقوى الوطنية والمجتمع المدنى. لأوروبا خبرات مهمة فيما خص التخلص من إرث السلطوية وبناء المؤسسات الديمقراطية وحكم القانون ومبادئ المساءلة والمحاسبة بين السلطات والحد من الفساد وإصلاح الأجهزة الأمنية وبيروقراطية الدولة. وهى فى المجمل مهمة لنا ونريد أن نتعلم منها، دون برامج أو مساعدات تقدم لهذا الفصيل أو لهذا الحزب دون غيره.