بأدوات واستراتيجيات متنوعة، تسعى منظومة الحكم / السلطة إلى أن تفرض على المواطنات والمواطنين القراءة الرسمية للأوضاع المصرية وﻷحداث حياتنا اليومية كالقراءة الوحيدة المتسقة مع المصلحة الوطنية والصالح العام وأهداف إخراج المجتمع من أزماته المتراكمة والحفاظ على الدولة وتماسك مؤسساتها وأجهزتها.
بعد تقنين«الاستثناء» على نحو يعصف بحقوق وحريات المواطن ــ ومن بينها حقه فى فهم وإدراك القوانين والتشريعات المنظمة لحياته فى مجاليها الخاص والعام، وبعد التعويل على خليط من الممارسات القمعية والإجراءات التقييدية لإبعاد الناس عن التعبير الحر عن الرأى وإسكات الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية ومعاقبتها حال عدم الامتثال للصمت المفروض من على بشأن انتهاكات الحقوق والحريات؛ توظف منظومة الحكم / السلطة هيمنتها على وسائل الإعلام ﻹنتاج قراءتها «الوطنية» عبر شبكة من المقولات المترابطة مثل «لا صوت يعلو على صوت الحرب على الإرهاب»، «إنقاذ المجتمع والدولة والدفاع عن أمننا القومى يستدعى الالتفاف حول الرئاسة (القيادة) والسلطة التنفيذية»، «نحن فى مصر نحترم سيادة القانون ونصون كل الحقوق والحريات ومن بينها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ونواصل بناء الديمقراطية»، «من يعارضون القوانين والتشريعات والإجراءات التى تمكن الدولة من مواجهة الإرهاب يخونون مصر ويتآمرون على الوطن»، وغيرها من المقولات التى يروج لها فى وسائل الإعلام العام والخاص بصياغات مختلفة وبربط عضوى يتجدد باستمرار بينها وبين الإجرام الإرهابى المتكرر فى سيناء وفى مناطق أخرى وبينها وبين جنون الإرهاب والعنف فى جوارنا الإقليمى والضحايا الذين يسقطهم من المصريات والمصريين.
وما إن تنتج القراءة «الوطنية» لأوضاعنا وأحداث حياتنا اليومية ويروج لكونها «الوحيدة» المتسقة مع مصلحة مصر وصالح أهلها، إلا وتشرع منظومة الحكم / السلطة والنخب الاقتصادية والمالية والإعلامية المتحالفة معها فى توظيف طيف من الأدوات والاستراتيجيات اللاحقة ﻹقناع قطاعات واسعة بين المصريات والمصريين «بصدق» القراءة الرسمية و«بفساد» القراءات البديلة (أى القراءات التى تنازع القراءة الرسمية) التى تتبناها الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية. ومن هذه الأدوات والاستراتيجيات اللاحقة أداة الإنكار العلنى لحدوث انتهاكات للحقوق وللحريات، ومنها الاستخفاف بها وبتداعياتها الكارثية على المواطن والمجتمع والدولة عبر نفى طبيعتها المتكررة والعمومية، ومنها أداة تبرير الانتهاكات والخروج على مسارات التحول الديمقراطى باستدعاء الحرب على الإرهاب وفك الارتباط بين مشروعيتها وفاعليتها وبين سيادة القانون وصون الحقوق والحريات وحماية السلم الأهلى بالعدل ورفع المظالم.
ومن هذه الأدوات والاستراتيجيات اللاحقة أيضا استراتيجية نزع المصداقية الأخلاقية والوطنية عن المدافعين عن الديمقراطية بالترويج لنظريات المؤامرة وإفك التخوين الذى بات معهودا وبالتشكيك الدائم فى رفضهم للإرهاب ونبذهم للعنف ومشاركتهم فى التضامن الشعبى فى مواجهة دموية ووحشية عصابات الإرهاب على الرغم من وضوح المواقف ومن الاستحالة العقلية للخلط بين تبرير الإرهاب والعنف وبين المطالبة بمواجهتهما بمشروعية تلتزم بسيادة القانون وفاعلية تمزج بين الأدوات العسكرية والأمنية وبين الأدوات التنموية والمجتمعية، ومنها استراتيجية الصناعة المتجددة لقوائم الأعداء فى الداخل والخارج ولخانات الذين يصنفون زيفا كمناهضين للمصلحة الوطنية لطلبهم الديمقراطية أو لمطالبتهم بإيقاف الانتهاكات ومحاسبة المتورطين فيها أو لرفضهم قوانين وتشريعات الاستثناء، ومنها استراتيجية تجاهل الأوضاع السلبية المحيطة بنا والأحداث المؤلمة فى حياتنا اليومية بالصمت عنها وبالإحالة إلى إطلاق وعود مستقبلية إيجابية وكأن سعادة المواطن والسلم الأهلى للمجتمع وقوة ومنعة الدولة الوطنية جميعها ممكنة مع غياب العدل وتراكم المظالم، ومنها استراتيجية صناعة انطباع عام مخادع مؤداه محدودية الحركة الديمقراطية وتراجع أعداد المنتمين إليها وانصراف الناس عنهم إلى أمورهم الخاص وإلى تجنيب مصر المصائر الصادمة للمجتمعات وللدول فى جوارنا الإقليمى.
وعلى الرغم من هذا الطيف الواسع من الأدوات والاستراتيجيات الموظفة، غير أن الناس يواصلون الانصراف عن القراءة الرسمية ويبحثون بأعداد تتزايد يوميا عن القراءات البديلة التى تمزج بين طلب الديمقراطية وبين مواجهة الإرهاب والعنف بمشروعية سيادة القانون والعمل على تحقيق التنمية المستدامة باستعادة السلم الأهلى وبعدل الدولة الوطنية.
تثبتوا من أننا لسنا وحدنا!