في مقال اليوم أطرح من الأسئلة أكثر مما أعطي من الأجوبة لأن الموضوع فعلاً صعب وإذا تكلمنا فيه بمثالية بحتة فسنقول كلاما يبدو جميلا ولكن لا يمكن تنفيذه على أرض الواقع، فما هي المشكلة؟ المشكلة نجدها في أغلب الأسر المصرية التي لها أبناء في مراحل الدراسة المختلفة، عندما يريد الابن أو الأبنة التبحر أكثر في هواية (مثل الرسم أو الغناء أو التمثيل أو الكتابة أو لعبة رياضية.. إلخ) من الهوايات أو احتراف هذه الهواية فسيقابل غالبا بالرفض من الأسرة وسيكون الرد هو "خد شهادتك الأول وبعدين إعمل اللي إنت عايزه" وقد يتطور الأمر إلى مشكلة عائلية بين الأبناء والآباء وكل منهم يظن أنه على حق وفي أغلب الأوقات كلا الفريقين على حق.. كيف ذلك؟
الأسرة على حق لأننا "بلد شهادات" ولن تجد عملا مجزيا بدون شهادة (وشبكة معارف طبعا ولكن تختلف أهمية هذه الشبكة حسب المجتمع في كل دولة)، الحقيقة أن العالم كله "بلد شهادات". إذا أردت أن تسافر لتكمل دراستك في الخارج مثلا أو لتعمل في الخارج فستحتاج شهادتك، طبعا هنا استثناءات نادرة جدا في هذا العالم مثل والتر بيتز (Walter Pitts) والذي قبلته واحدة من أقوى جامعات العالم وهي معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (MIT) كطالب دكتوراه وهو لم يكمل تعليمه الثانوي! ولكن هذه القصة لها ظروفها ولا نستطيع أن نقيس عليها، المهم أنك تحتاج لشهادك حتى تجد عملا أو لتكمل دراستك في الخارج إن أردت، ولاحظ أنني أقول شهادتك والعلاقة بين شهادتك وما تعرفه حقا أصبح ضعيفاً للأسف.. هذه وجهة نظر الأسرة.
أما الأبناء فيرون أنهم لا يتعلمون شيئا ومن الأفضل لهم التركيز على ما يحبونه لينجحوا فيه ولا حاجة للشهادة التي لا تنفع بدون واسطة! لا ننكر أن لوجهة النظر هذه وجاهتها أيضا، فما الحل إذا؟
عادة في أغلب المشكلات ذات وجهات النظر المتعددة يتخذ الناس الحل الأسهل (من حيث التفكير لا التنفيذ) وهو الجمع بين وجهات النظر ويبرروا ذلك بكلمات مثل "نأخذ الأحسن من كل شيء".. إلخ، هل نستطيع عمل ذلك هنا؟ هل يمكن للأبناء الحصول على الشهادة وفي نفس الوقت أخذ الهواية باهتمام قد يدفعها أن تكون مهنة المستقبل وفي نفس الوقت إذا لم تتحول إلى مهنة فالشهادة موجودة وقد تأتي بالوظيفة، هل يمكن ذلك؟ طبعا التعميم صعب جدا هنا لأنه يعتمد على قدرات الشخص وعلى التخصص في الدراسة وما يحتاجه من مجهود وعلى الهواية وما تحتاجه من وقت ولكن في الغالب الأعم تطبيق ذلك صعب ويحتاج تضافر عدة قوى نوجه لهم النداءات الآتية:
• النداء الأول للأهل: لا تضغطوا على أبنائكم كثيرا في موضوع الاهتمام بالدراسة وفقط لأن الهوايات لها فوائد نفسية جمة قد تنعكس على مستوى الطالب في الدراسة وليس هنا مكان مناقشة الأبحاث التربوية في ذلك، ومن يدري لعل الهواية في النهاية تصبح مهنة أو لعل الهواية والدراسة يلتقيان.. فرفقا بالأبناء.
• النداء الثاني للطلاب: لا نستطيع أن ننكر أننا بلد شهادات أو أن العالم كله ينظر لك (على الأقل في البداية) كمجموعة شهادات فلا تترك الدراسة كلية كي تركز في الهواية لأنه لو لم تنجح في الهواية وأصبحت بدون شهادة فما الحل؟ أعلم أنك قد لا تستفيد من الدروس أو على الأقل لا تشعر بأهميتها أو لا ترى أن التعليم بحالة جيدة لكن اعتبر أن الشهادة هي أوراق تحتاجها مثل الأوراق التي تجمعها لتجديد رخصة قيادتك مثلا ومن يدري فقد تستفيد من مادة أو عدة مواد في توسيع مداركك أو قد تقابل أستاذ يفيدك ويغير نظرتك للحياة أو يعمقها.
• النداء الثالث للأساتذة: نريد ونرجو ونتمنى أن نقلل الحشو في المناهج ذلك سيقلل مجهود الأستاذ ويقلل الضغط على الطلاب ويعطي لهم وقتا للهواية ويعطي وقتا دراسيا أكثر للتركيز على النقاط المهمة، في عصرنا الحديث لا حاجة للحفظ في معظم الأحيان فلا تضغطوا على الطلاب بطرق تدريس من زمانكم لأنهم خلقوا في زمن غير زمانكم، أنا واثق أن هناك أساتذة تطوروا ويصنعون المعجزات في المدارس والجامعات برم الإمكانيات الضعيفة ولكن ندائي هنا لمن يمتهن التدريس لأنه دخل كلية التربية مثلا نظرا للمجوع وهو لا يريدها فدخل في مهنة لا يحبها وإن كانت كليات التربية (من وجهة نظري) هى أمل الشعوب في التقدم.
• النداء الرابع لوزارة التربية والتعليم: قللوا الضغط على الطلاب من فضلكم، الثانوية العامة لا يجب أن تكون حياة أو موت، كتاب الوزارة ليس مقدسا، الهوايات جزء من التربية ومن التعليم، كلما كثر الكم قل الكيف.. التعليم أمن قومي ويجب أن يتطور ليلحق بركب القرن الحادي والعشرين.. طبعا أنا: "واحد إيدي في المياه" كما يقولون وأعلم تماما المصاعب التي تواجهها العملية التعليمية.. ولكننا نتمنى ولعل الأماني تتحقق في الأجيال القادمة.
• النداء الخامس للشركات: أعلم أن ما سأقوله مطلب كبير ولكن فوائده جمة لماذا لا تقيمون تدريبات صيفية وتكتشفون فيها مواهب الطلاب؟ ولكن لا تعتمدوا على الشهادات بل على المقابلات الشخصية، من يدري فقد تعين شخصا موهوبا جدا يكون سببا في نجاح شركتك وهو لا يحمل شهادة أو درجاته ضعيفة، هذا سيضع ضغطا كبيرا على أقسام شؤون العاملين بالشركات، لهذا قلت إن المطلب كبير.
انتهت النداءات والأماني.. أيها القارئ العزيز إذا كنت من الطلاب ... إرجع لمذاكرتك!