لا أعرف لماذا يتشبث المستشار طلعت عبدالله بمنصب النائب العام رغم أن شرعيته محل طعن قانونى يضاف إلى الطعنين السياسى والبيروقراطى الملازمين له منذ تولى منصبه. سياسيا ترى قوى المعارضة أنه ينفذ أجندة الإخوان المسلمين، والبعض قال إنه واحد منهم. وبيروقراطيا يواجه ما يشبه العزل من جانب القضاة ورؤساء ووكلاء النيابة، وأخيرا قضائيا بصدور حكم يقضى ببطلان تعيينه من محكمة الاستئناف.
قد يكون للمستشار طلعت عبدالله سجل قضائى مشرف، لكن منصب النائب العام يجب ألا تلاحقه الطعون القضائية والسياسية والبيروقراطية إلى الحد الذى يفقده حياده، ويشجع أفرادا ومؤسسات على تجاهله أو رفض التعامل معه، وهى ظاهرة أخذت فى الشيوع خلال الأيام الماضية. النيابة العام فى المجتمع الحديث تحافظ على القانون، وتحمى الشرعية، وتصون حقوق الإنسان، ولا يصح من يرأسها أن تتجاذبه الأنواء السياسية، أو المعارك القضائية. هناك شىء غامض فى المسألة. تسلم الرجل عمله فى منتصف الليل، واستقال تحت ضغوط رجال النيابة ثم تراجع عنها، ويصر على البقاء فى موقعه رغم صدور حكم قضائى واجب النفاذ يقضى ببطلان تعيينه.. لماذا يتحمل كل ذلك؟ ولماذا يصر على الوقوف فى وجه الأسرة القضائية وليس فقط القوى والتيارات المعارضة؟
لا أفهم كذلك مطالب بعض القوى السياسية بعودة النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود، الذى ينبغى ألا ننسى أن مطلب إقالته كان مدويا فى ميادين مصر التى تموج بآلاف المتظاهرين. لم يكن الرجل مناصرا لثورة، بل كان جزءا من نظام مبارك، يجب ألا تنسينا «النكاية السياسية» ذلك.
المسألة كلها «خناقة» سياسية وشعور بالكرامة فى معركة غير مقدسة. الإخوان المسلمون يتمسكون بالنائب العام الحالى لأنه ثمرة اختيارهم، ولا يريدون للقوى السياسية المعارضة أن تكسر إرادة الرئيس مرسى الذى أصدر إعلانا دستوريا من أهدافه الأساسية إقالة النائب العام السابق وتعيين الحالى. أما قوى المعارضة فهى ترى أن إجبار المستشار طلعت عبدالله على ترك موقعه انتصار على دولة الإخوان المسلمين، وإيقاف محاولات الضرب بدولة القانون حتى لو كان فى ذلك تعاطفا أو حتى موافقة على عودة المستشار عبدالمجيد محمود.
لا هذا ولا ذاك يصلح نائبا عاما. النائب العام السابق هو جزء من تركة نظام مبارك، والنائب العام الحالى محسوب على الإخوان المسلمين، الحل أن يأتى نائب عام جديد وفق الآليات التى وضعها الدستور على نحو يعيد الوقار والحياد لهذا المنصب الذى أصبح ساحة للاحتراب السياسى، ويوقف الحرب الأهلية التى تدور رحاها فى أوساط القضاء.
القرار بيد من؟ لا أعرف.. لكن ما أعتقده أنه لا ينبغى أن يظل المستشار طلعت إبراهيم فى موقعه متحديا حكما قضائيا، ومحتملا طعونا وتجريحا وتنكرا له من أسرته القضائية.