بعد فرانس تيمرمنز.. القضية المناخية ستفقد الكثير - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:26 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد فرانس تيمرمنز.. القضية المناخية ستفقد الكثير

نشر فى : الأحد 3 سبتمبر 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : الأحد 3 سبتمبر 2023 - 8:35 م
استقال نائب الرئيس التنفيذى لمفوضية الاتحاد الأوروبى المسئول عن السياسات المناخية و«الصفقة الخضراء»، فرانس تيمرمنز، استعدادا لخوض الانتخابات البرلمانية فى هولندا للوصول إلى رئاسة الحكومة. فى ضوء ذلك، نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب نجيب صعب، أوضح فيه مدى اهتمام الدول الأوروبية بقضية الدعم البيئى، بدليل ما شهدته جلسات اختيار خليفة تيمرمنز من أسئلة محرجة للتأكد من حقيقة مواقف والتزامات الأشخاص المرشحين. كما قال الكاتب أن نجاح حزب تيمرمنز فى الانتخابات البرلمانية فى بلاده سيمثل انتصارا لقضية مواجهة التغير المناخى فى هولندا، وأن باستقالته من الاتحاد الأوروبي ستخسر القضية المناخية قدرته الفائقة في هذا الملف... نعرض من المقال ما يلى:
النقاش الساخن الذى رافق اختيار بديل عن فرانس تيمرمنز، نائب الرئيس التنفيذى لمفوضية الاتحاد الأوروبى المسئول عن السياسات المناخية و«الصفقة الخضراء»، يؤكّد الموقع المحورى الذى يحتلّه المناخ فى السياسات الدولية اليوم. فالمرشحون لخلافته خضعوا لسلسلة من الاستقصاءات والأسئلة المحرجة، للتأكد من مواقفهم والتزاماتهم.
لكن فى حين تعد الدول الأوروبية المناخ والبيئة فى طليعة الأولويات السياسية، تستمر البيئة فى معظم الدول العربية موضوعا من الدرجة الثانية. وفى حين يدور الصراع فى أوروبا على قيادة سياسات البيئة والمناخ بين سياسيين من أرفع المستويات، يستمر توزيع حقائب البيئة والمناخ فى كثير من حكوماتنا كجوائز ترضية للأقليات الحزبية والاجتماعية والعرقية. وأذكر أنه حين تم تعيين وزير سابق للخارجية وزيرا للبيئة فى لبنان قبل عقدين من الزمن، اعتُبر هذا بمثابة عقاب من العهد الجديد، وليس لدعم البيئة بشخص يحمل خبرات فى العلاقات الدولية. أما الذى تقدم التنافس على احتلال مركز فرانس تيمرمنز فى الاتحاد الأوروبى اليوم فهو وزير الخارجية الحالى ووزير المال السابق فى هولندا، ووبكى هوكسترا، باعتبار المنصب الجديد ترقية لا عقابا، كما حصل مع وزير الخارجية اللبنانى الأسبق. وقد واجه هوكسترا، منذ رشّحته حكومته للمنصب، اعتراضات من مجموعات بيئية بسبب عمله السابق فى قطاع النفط، كما اتهمته الأحزاب اليسارية فى البرلمان الأوروبى بعدم وضوح مواقفه من قضايا العدالة الاجتماعية وتوزيع الأعباء. لكنه فى النهاية قدَّم التزامات للنجاح فى امتحان التسويات.
استقال تيمرمنز من منصبه فى المفوضية الأوروبية ليقود حزبه فى الانتخابات البرلمانية المقبلة فى هولندا، سعيا للوصول إلى رئاسة الحكومة. وإذا كان هذا سيؤدى إلى دعم العمل البيئى والمناخى فى هولندا، فهو سيُحدث فراغا على المستوى الأوروبى لن يكون من السهل ملؤه. فقد حفلت ولايته بإنجازات كبرى، نقلت العمل البيئى والمناخى إلى مراحل متقدّمة. ومنذ تسلُّمه ملفّى المناخ و«الصفقة الخضراء» قبل أربع سنوات، حقق تيمرمنز ما عجزت المفوضية الأوروبية عن تحقيقه خلال أكثر من 15 عاما، داخل أوروبا كما فى المفاوضات الدولية، بعد نجاحه فى تمرير 12 قانونا أوروبيا لخفض الانبعاثات الكربونية إلى الصفر بحلول سنة 2050. ولتجنُّب احتماء بعض الدول بالأهداف طويلة الأجل للتقاعس والتأجيل، التزم الاتحاد الأوروبى بخفض مرحلى للانبعاثات إلى النصف بحلول سنة 2030، بعدما استطاع تيمرمنز تجاوز اعتراضات دول كثيرة طالبت بتمديد المهلة، بينها فرنسا. وبدلا من التمديد، وافق الاتحاد الأوروبى لاحقا على تعزيز خفض الانبعاثات إلى 55 فى المائة بدلا من 50 بحلول 2030.
قد تكون «الصفقة الأوروبية الخضراء»، التى أُقرَّت عام 2020، أبرز البرامج التى يقودها تيمرمنز. وتتميّز هذه المبادرة بأنها تربط العمل المناخى برعاية البيئة وحماية الموارد الطبيعية، عن طريق مراجعة جميع القوانين للتأكد من مطابقتها للشروط المناخية والبيئية، بما يضمن تحوُّل أوروبا إلى مجتمعات عادلة ومزدهرة، تعتمد اقتصادا دائريا تنافسيا.
ومن أهم مكوّنات «الصفقة الخضراء» التحوُّل إلى الطاقة النظيفة، مع التركيز على تعزيز الكفاءة وترشيد أنماط الاستهلاك، إلى جانب تعميم مصادر الطاقة المتجددة وتطوير تقنيات الهيدروجين الأخضر. ويكتسب التحوُّل إلى الصناعة الأنظف واعتماد الاقتصاد الدائرى فى الإنتاج والاستهلاك أهمية كبرى فى الخطة، برفع نسبة إعادة الاستعمال، وتدوير المواد فى عمليات صناعية جديدة بدلا من اعتبارها نفايات. ومن الأمثلة البسيطة على نجاح هذه التدابير أنّ فرْض رهن مالى على جميع أنواع العبوات الفارغة رفعَ نسبة إعادتها إلى المراكز المخصصة لاسترجاع ثمنها إلى أكثر من 90 فى المائة، بدلا من رميها مع النفايات. وكثيرا ما ترى صغارا وكبارا فى مدن أوروبية يجمعون العبوات والقنانى القليلة المرمية فى مستوعبات النفايات أو على جوانب الطرقات، لتحصيل قيمة الرهن.
ومن مكوّنات «الصفقة الخضراء» أيضا استخدام مواد قابلة لإعادة الاستعمال فى صناعة البناء، وتجديد الأبنية القديمة لتعزيز قدرتها على العزل الحرارى وتوفير الطاقة والمياه. ومن ضمن المبادرات «خطة العمل نحو صفر تلوُّث»، التى تهدف إلى وقف التلوُّث فى الماء والهواء والتراب بحلول 2050. كما تشمل الصفقة التحوُّل إلى وسائل النقل المستدامة، ليس فقط باستخدام الكهرباء والهيدروجين، بل بتعزيز النقل العام وتنظيم المدن وتخطيط مراكز السكن والعمل والترفيه لضبط حركة المواصلات.
وتتميّز الخطة باعتبار الحفاظ على التنوُّع البيولوجى وحماية الطبيعة أساسا فى العمل المناخى، بحيث وضعت أهدافا محددة فى هذا المجال لسنة 2030، منها حماية 30 فى المائة من الموائل البرية والبحرية والغابات، وزراعة 3 مليارات شجرة، وإحياء 25 ألف كيلومتر من مجارى الأنهار. وقد تعزَّز هذا التوجُّه بالاتفاق على «قانون استعادة الطبيعة»، الذى يحدّد خطوات عملية لإحياء الأنظمة الطبيعية المدمّرة والمهدّدة عبر أوروبا.
وقد تكون أكثر مكوّنات «الصفقة الخضراء» طموحا تلك المتعلقة بالزراعة، إذ تتضمّن أهدافا كبرى لسنة 2030، منها رفع نسبة الزراعة العضوية إلى 25 فى المائة، وخفض استخدام الأسمدة بنسبة 20 فى المائة، والمبيدات بنسبة 50 فى المائة.
وإلى دوره القيادى فى السياسات والقوانين البيئية والمناخية فى أوروبا، لعب فرانس تيمرمنز دورا محوريا فى مفاوضات المناخ الدولية، وكان وراء التسوية التى أدّت إلى إقرار صندوق الخسائر والأضرار، أبرز إنجازات قمة المناخ السابعة والعشرين فى شرم الشيخ.
لن تكون سهلة مهمة من وقع عليه الخيار ليحلّ مكان فرانس تيمرمنز فى قيادة «الصفقة الأوروبية الخضراء». والأكيد أن قمة المناخ المقبلة فى دبى ستفتقد قدرته الفائقة في هذا الملف.
التعليقات