من نينوى إلى درنة - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:56 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من نينوى إلى درنة

نشر فى : الثلاثاء 3 أكتوبر 2023 - 9:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 3 أكتوبر 2023 - 9:45 م
أظن أن الذين لقوا حتفهم فى عالمنا العربى بسبب التسيب، والإهمال، والرعونة، والفساد لا يقل عددهم عن الذين قتلوا على أيدى إرهابيين أو متطرفين. وإذا كنا ندرك ذلك فى الحوادث الكبرى، فإن هناك حوادث صغيرة تحدث فى كل وقت تكشف أن ضعف دولة القانون يقف وراء الكثير من الكوارث الإنسانية. ولا يقتصر ذلك على قطر دون آخر، بل هى حالة نجدها بدرجات متفاوتة فى العديد من الأقطار العربية.
فى العراق تحول عرس إلى كارثة. زفاف فى قاعة بالحمدانية بمحافظة نينوى، نشب بها حريق أودى بحياة 107 أشخاص، فضلا عن نحو مائة مصاب. اهتز المجتمع العراقى لما حدث، وتحركت مؤسسات الدولة فى اتجاه التحقيق ومحاسبة الجناة. القصة باختصار أن أقصى سعة للقاعة خمسمائة فرد، بينما كان عدد المدعوين نحو تسعمائة شخص، أى اقترب الرقم من الضعف، فى قاعة مبنية من مواد قابلة للاشتعال، ولا يوجد بها منافذ هروب كافية، ولا أسطوانات إطفاء، سوى واحدة لا تعمل، ومع إطلاق ألعاب نارية اشتعلت القاعة، وتحولت إلى كتلة من النار.
فى لقاء مع العريس ريفان (27 عاما) على إحدى القنوات الفضائية روى لحظات الرعب التى عاشها هو وزوجته الشابة حنين (18 عاما)، وقد أصيبا بصدمة، واختصر حديثه فى عبارة مؤثرة «لا نستطيع أن نستمر بالعيش فى مجتمعنا»، وذكر أنه فقد 15 شخصا من عائلته، وفقدت زوجته 10 من اقاربها، من بينهم والدتها وشقيقها بينما يرقد والدها فى حالة حرجة.
زوجان شابان وصفا حالهما بأنهما «ميتان من الداخل»، فقد وئدت فرحتهما فى مهدها. والسبب باختصار الإهمال والفساد، فقد تأسست قاعة مناسبات خلاف القواعد الهندسية، ولم تراعَ أى اعتبارات للأمن الصناعى، ولم تجد جهة إدارية تراجعها، وتوقف العمل بها، وتطالب أصحابها بتوفيق أوضاعهم، وتعديل مسارهم. فكانت الكارثة التى ايقظت المجتمع. ولعل حالة الحزن الشديدة التى أصابت الزوجين، والمدعوين، لا تقل عن الآلام التى شهدتها «نينوى» على يد تنظيم داعش الذى عاث بها فسادا، واستهدف أهلها، الذين بهم عدد لا بأس به من المسيحيين عندما استولى على الموصل عام 2014.
ومن كارثة خاصة فى نينوى إلى كارثة عامة فى درنة، شرق ليبيا، التى تعرضت إلى إعصار دانيال، الذى اجتاح المدينة، وتسبب انهيار سدين هناك إلى كارثة أودت بحياة الآلاف، خلاف المصابين، وتدمير المنازل والممتلكات والبنية الأساسية. عمت مظاهرات الغضب درنة تطالب بالمحاسبة والقصاص، وسط حديث متواتر عن عدم إجراء الصيانة للسدين، وإصلاح البنية الأساسية رغم وجود مخصصات مالية لذلك. وبالطبع يظل الانقسام بين شرق وغرب ليبيا سببا مباشرا على عدم القدرة على النهوض بالحالة العامة للبلاد.
هناك تشابه بين الحالتين، فكلا الدولتين تعانيان من انقسامات سياسية حادة، ووجود سلاح خارج نطاق الدولة، وترهل بيروقراطى ومحسوبية رغم امتلاكهما ثروات مهمة، وهو ما يؤكد مسألة مهمة أن القضية ليست فى وجود الموارد، ولكن فى حسن استخدامها فى ظل مؤسسات دولة قوية وراسخة، تبتعد عنها النزاعات السياسية والطائفية، وتخلو من الحسابات المعقدة حول توزيع المنافع بعيدا عن الإدارة الرشيدة، ودولة القانون والمؤسسات.
سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات