تقليديا تواجه مؤسسات الدولة انتقادات منها النزعة الذكورية فى تولى مواقع القيادة والمسئولية، وثانيا الترهل، والبيروقراطية، وعدم القدرة على مواكبة التغيرات. فى الانتقادين وجاهة، ولكن ليس على إطلاقهما، لأن المرأة تتولى الآن مواقع متقدمة، رغم أن مواقع أخرى موصدة أمامها مثلما يحدث فى بعض المؤسسات القضائية، وكما أن مؤسسات الدولة تعانى من ضعف، لاتزال تمتلك كفاءات وخبرات مهمة.
من هنا سعدت كثيرا بقرار رئيس الجمهورية باختيار السفيرة فاطمة الزهراء عتمان وكيل أول وزارة الخارجية ممثلا شخصيا له لدى المنظمة الدولية للفرانكفونية. لا أخفى دائما انحيازا لتولى المرأة مواقع القيادة والمسئولية، لأن فى ذلك رد اعتبار لها، وعلامة على تقدم المجتمع، وتخلصه من ميراث التخلف الفكرى الذى أصابه فى العقود الماضية.
تعرفت على السفيرة فاطمة الزهراء عندما كانت تشغل منصب سفير مصر فى بلجيكا، ورئيس بعثة مصر لدى الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو. استضافت فى منزلها ــ أسابيع قبل ثورة 30 يونيو ــ المشاركين من كل التيارات والاتجاهات فى ندوة عقدت فى الاتحاد الأوروبى، كنت أحدهم، وأدارت حوارا ثريا، بدت فيه خبرتها الواسعة، وحنكتها الدبلوماسية، وقدرتها على استيعاب الآراء المتنوعة. منذ ذلك الحين تجددت اللقاءات سواء فى بروكسل، أو فى القاهرة عقب عودتها إلى وزارة الخارجية. لم يتغير الانطباع الأولى، بل زدت اقتناعا به.
فى اختيارها لهذا الدور مقدمات مهمة.
أولا: هى نموذج للمرأة المصرية، ابنة الصعيد، التى استطاعت أن تتقدم فى مسارها التعليمى حتى حصلت على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم درجة الماجستير فى القانون من جامعة «أوتاوا» بكندا.
ثانيا: هى ابنة مؤسسة «الخارجية المصرية»، اكتسبت فى أروقتها خبرات شتى من عملها فى مواقع دبلوماسية عديدة فى فرنسا، مالطا، واليونسكو، ومساعدة لوزير الخارجية للشئون الأوروبية. تتلمذت على يد الدكتور بطرس غالى الذى ترك بصمة مهمة فى تكوينها المهنى، وعملت بشكل مباشر مع العديد من وزراء الخارجية بدءا من عمرو موسى، وأحمد أبو الغيط، وانتهاء بالوزير الحالى سامح شكرى.
لعبت فى عملها الدبلوماسى أدوارا مهمة منها المفاوضات التى أدت إلى إطلاق الاتحاد من أجل المتوسط، المنسق العربى لمجموعة دول جنوب المتوسط، والمنسق العربى للتعاون الأورو متوسطى فى إطار عملية برشلونة، وخلال عملها سفيرة فى بلجيكا استطاعت تكوين علاقات مكثفة مع جهاز الخدمة الخارجية الأوروبى، وأعضاء البرلمان، خاصة لجنة الشئون الخارجية.
فى اختيارها، هى وغيرها من الشخصيات النسائية فى مواقع متقدمة، رسالة مزدوجة: المرأة المصرية تستطيع أن تفعل متى أعطيت الفرصة، وفى هذا رد على دعاوى فرض ستار الجهل والعزلة عليها وتقزيمها فى المساحة الانثوية، وثانيا أن مؤسسات الدولة تمتلك الكفاءات، ومهما ألم بها من ترهل أو ضعف، وتعثرت فى أداء دورها، ستظل لديها إمكانات بشرية مهمة، تستطيع أن تقوم بعملها بكفاءة. المهم هو البحث عن الكفاءات واختيارها.
ما أعرفه عنها أنها سيدة دؤوب فى عملها، وعلى عاتقها الآن العمل مع مؤسسات الدولة المعنية على توثيق علاقة مصر بالدول الفرانكفونية، وكثير منها فى أفريقيا، التى غابت مصر عنها كثيرا.