دوف فايسجلاسلا شك فى أن المطلب الإسرائيلى بشأن ضرورة استمرار الوجود العسكرى فى منطقة غور الأردن بحاجة إلى دراسة معمقة، حتى من دون أى صلة برفض الفلسطينيين المطلق له. ويجب أن تطرح من خلال هذه الدراسة عدة أسئلة مهمة مثل: هل هذا المطلب ضرورى فعلا كحاجة أمنية؟ وهل وجود قوة من الجيش الإسرائيلى تكون مرابطة على طول خط التماس بين نهر الأردن والدولة الفلسطينية (التى ستقام) هو الجواب الأمنى الملائم للمخاطر التى ستكون قائمة فى المستقبل فى منطقة الحدود الأردنية ــ الفلسطينية؟
يمكن القول إنه مع الإجراءات الاضطرارية التى يتعين على الجيش الإسرائيلى أن يأخذها فى الاعتبار والناجمة عن تراجع معدلات التجنيد وامتثال جنود تشكيلات الاحتياط للخدمة، وازدياد المهمات والأهداف الأخرى، فليس من المبالغة افتراض أن القوة العسكرية التى ستخصص لحراسة غور الأردن (مثل القوة المرابطة هناك فى الوقت الحالى) ستكون ضئيلة، فطول غور الأردن نحو 250 كيلومترا، ولذا فإن هذه القوة ستكون منتشرة على نحو متقطع وهزيل.
هنا لا بد من طرح أسئلة أخرى مثل ما الذى ستستهدفه هذه القوة؟ هل هو كبح الإرهاب؟ ليس بالضبط، فغور الأردن باستثناء منطقة أريحا يكاد لا يكون مأهولا. و«الإرهاب» فى الغور كان دوما محدودا من ناحية حجمه مقارنة بمناطق أخرى فى يهودا والسامرة (الضفة الغربية). وتلك المناطق الأخرى لا يفترض بالقوة الإسرائيلية أن تصل إليها أو أن ترابط فيها.
هل تهدف هذه القوة إلى منع غزو إسرائيل؟ لسنوات عديدة وحتى سنة 2003 شغل بال إسرائيل إلى حد كبير حجم الجيش البرى العراقى، والتخوف من مغبة قيامه بعملية غزو كان ملموسا أكثر. لكن هذا الأمر لم يعد كما كان عليه فى ذلك الوقت. ومنذ أن كف العراق (فى سنة 2003) عن أن يشكل تهديدا عسكريا لإسرائيل لا توجد هناك من جهة شرق الأردن دولة أو قوة عسكرية أخرى من شأنها أن تغزو إسرائيل أو أن تشكل تهديدا عسكريا بريا لها. وبالتأكيد فإن المملكة الأردنية لا تشكل تهديدا كهذا ولا سيما أنه تقوم بينها وبين دولة إسرائيل علاقات أمنية وثيقة للغاية.
وفى حال انهيار المملكة الأردنية وتسلل قوات معادية إلى أراضيها ومعاودة خطر الهجوم البرى، أو فى حال توجيه الصواريخ، فإن الجيش الإسرائيلى سيكون مطالبا عندئذ بأن يحشد كل قوته الشاملة للقيام بعمل عسكرى جوهرى دفاعى أو هجومى. والأمر الأكيد هو أنه لن يكون بإمكان القوة العسكرية المحدودة الحجم والقدرات القيام بذلك.
وبصورة عامة، فإن تجربة الماضى تثبت أن قوات عسكرية ضئيلة تنتشر فى خط دفاعى طويل لا تضيف أمنا، وتظل منشغلة بالدفاع عن نفسها مثلما فعل الجيش الإسرائيلى فى جنوب لبنان وفى محور فيلادلفى. وفى حال وقوع هجوم واسع أو غزو، فإن القوات المتقدمة الصغيرة تحشر وتكون أول من يتعرض للإصابة مثلما حدث فى خط بارليف لدى اندلاع حرب «يوم الغفران» (أكتوبر 1973).
صحيح أن لدى إسرائيل مصلحة كبيرة فى وجود حدود مغلقة كما ينبغى بين نهر الأردن والدولة الفلسطينية التى ستقام، لكن مرابطة قوة إسرائيلية صغيرة نسبيا على طول مئات الكيلومترات ليست الوسيلة الأفضل لذلك.
كما أنه تجدر الإشارة إلى أن الأردنيين والفلسطينيين على حد سواء لديهم مصلحة كبيرة فى منع تسلل أى قوى معادية إلى أراضيهم. وفى ضوء ذلك، فإن التماثل الواضح للمصالح فى هذا السياق قد يؤدى إلى التوصل إلى اتفاق عسكرى إسرائيلى ــ أردنى ــ فلسطينى يرتب صيغة لإدارة الحدود بما فى ذلك إقامة جدار أمنى متطور يتم الاتفاق على شكل حراسته من جانبيه.
فى واقع الأمر، تم اقتراح تسوية أمنية مشابهة ضمن خطة السلام التى عرضها رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت بالتوافق مع الإدارة الأمريكية، تضمنت بين أمور أخرى استخدام منشآت رقابة وإنذارات إسرائيلية، ووجودا عسكريا دوليا فى الجانب الشرقى من نهر الأردن، لكن من دون وجود عسكرى إسرائيلى فى غور الأردن.
وقد وضع هذه الخطة جهاز الأمن الإسرائيلى وعرضت بناء على رأيه. غير أنه وفقا لما نشر أخيرا، فإن جهاز الأمن الإسرائيلى يؤيد حاليا المطلب الحازم لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فى ما يتعلق بضرورة الاحتفاظ بوجود عسكرى إسرائيلى فى الغور. ومع ذلك، ما يجب قوله هو أن الذى تغير هو رئيس الحكومة وليس الواقع.