إعلان الغضب لا يكفي لتغيير المجتمعات - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:23 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إعلان الغضب لا يكفي لتغيير المجتمعات

نشر فى : السبت 4 أبريل 2009 - 4:53 م | آخر تحديث : السبت 4 أبريل 2009 - 4:53 م

 منذ أيام التقيت مصادفة مع باحث غربى متخصص فى شئون الحكم الرشيد، وبادرنى بسؤال عن موقفى من الإضراب الذى تدعو إليه إحدى الحركات الشبابية المعارضة يوم الاثنين6 أبريل. قبل أن أسجل موقفا واضحا، سألته بدورى: ما الهدف من الإضراب؟ استغرق بعض لحظات فى التفكير، وعاد يقول: «هناك إضراب». قلت له مجددا: هل تعرف الهدف منه؟ وما الغاية التى يسعى الداعون إلى الإضراب للوصول إليها؟ لم يجب، ويبدو أننى فاجأته بجملة من الأسئلة المتلاحقة. لم أسمح لعلامات الدهشة أن تستمر طويلا على جبهته، فعدت إلى سؤاله مرة أخرى قائلا: «إننى أرفض الإضراب يوم 6 أبريل». ودار حوار بيننا.

(1)
دعت إحدى الحركات الشبابية المعارضة، والتى تحمل اسم «شباب 6 أبريل» الشعب المصرى إلى إضراب فى اليوم الذى يجسد هويتها، ويمنحها اسمها. لم أستغرب للدعوة والداعين إلى الإضراب. فما معنى حركة شبابية تحمل اسما بلا معنى؟ لابد أن يكون للاسم معنى، والمعنى يتجسد فى إضراب، وكأن يوم 6 أبريل هو اليوم المخصص للإضراب، وهو ما يشكل امتدادا لما حدث العام الماضى فى نفس اليوم. بلغت الدعوة إلى الإضراب مسامع قطاعات من المجتمع، وحملت الملصقات، والشعارات على الحوائط نداء إلى الشعب المصرى، يرجوه أن يضرب فى هذا اليوم، وهو النداء الذى يغلفه شعار «حقنا وهناخده». شعار لطيف، يجمع بين الثورية والرومانسية، تماما مثل شعار «خليك فى البيت» الذى ظهر العام الماضى فى مناسبة مشابهة. تأملت فى الشعار، ولكنى لم أعرف ما هو «الحق» الذى اتفق عليه الداعون إلى الإضراب حتى أناضل من أجل تحقيقه، وأخذه بذراعى من خلال الإضراب؟

عدت لمطالب رعاة الإضراب، كما ظهرت فى بيان صادر عنهم، فوجدت خليطا من المطالب غير المتجانسة، ما بين مطالب اقتصادية، مثل إقرار حد أدنى للأجور يبلغ1200جنيه، وربط الأسعار بالأجور، ومطالب سياسية محلية مثل انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد يضمن الحريات السياسية والنقابية، ويحدد فترة الرئاسة بمدتين على الأكثر، وأخيرا مطالب سياسية خارجية تتعلق بوقف تصدير الغاز لإسرائيل. هذه المطالب، رغم أهميتها، لا يوجد ارتباط منطقى بينها، فضلا عن أنها ليست جديدة. فالمطالبة بوضع دستور جديد للبلاد لم تهدأ، وهى قائمة، وسبق أن قدمت أحزاب المعارضة خلال الثلاثين عاما الماضية مقترحات، ومشروعات لدستور جديد. ومسألة ربط الأجور بالأسعار، هى مسألة اقتصادية بحتة، لن يحلها إضراب، ولا يوجد قرار يمكن أن يحققها مهما كانت صلاحيات أو سلطة من يتخذ القرار، أما وقف تصدير الغاز لإسرائيل، فهل يحتاج إلى إضراب؟

ولماذا لم يطالب دعاة الإضراب إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل؟ الخلاصة أن هذه جملة من المطالب، المهمة فى الواقع، لكنها لا تعبر عن نسق فكرى، أو برنامج محدد يمكن اقتفاء أثره. الظاهر أنها وضعت على هذا النحو من عدم التناسق لتشجيع فئات عديدة للمشاركة فى الإضراب، يستهويها مطلب أو أكثر مما سبق.

(2)
هذه هى المشكلة التى تقابلنى عند بحث حركات التغيير السياسى فى الواقع المصرى على اختلاف مسمياتها، وأشكالها. إذا تأملت حركتها السياسية، تجد فاعلية، ورغبة جادة فى التغيير، ولكن إذا نظرت إلى برنامجها فى التغيير تجده فقيرا، بائسا، يفتقر إلى أى اجتهاد سياسى أو أيديولوجى. عندما ظهرت حركة «كفاية» منذ خمسة أعوام تقريبا، حاصرتها الأسئلة حول برنامجها الفكرى، فلم تظهر إجابات شافية، بل على العكس جاءت الإجابات أكثر ضبابية. فهى حركة أرادت- كما ظهر فى برنامجها التأسيسى ــ إصلاح كل شىء بدءا من رئاسة الدولة، مرورا بالحياة السياسية، وانتهاء بمواجهة التحالف الأمريكى الصهيونى.

لجأت «كفاية» إلى الحركة فى الشارع دون برنامج فكرى واضح. ترفع شعار التغيير دون أن تطرح بديلا واضحا للحكم، تطالب بالغضب دون أن تقدم للجمهور النموذج الذى يقتفون إثره. تنبأ كثيرون بأن الحركة سوف تذبل، وتشتعل الخلافات داخلها، وهو ما حدث أسرع مما توقعه البعض بتسليم مقاليد الأمور إلى قيادة راديكالية زاعقة. كيف يمكن للمواطن المصرى أن يسير فى ركاب حركة سياسية لا تمتلك بديلا إيديولوجيا واضحا.

عندما درست حركات التغيير السياسى فى أوربا الشرقية أولا، ثم فى العالم العربى ثانيا، كان واضحا أن الفارق بين الحالتين هو فى «البديل السياسى». هناك كانت دعوة إلى التغيير فى ظل بديل سياسى قادر على الحكم، وهنا دعوة إلى التغيير فى ظل غياب أو على الأقل عدم طرح بديل سياسى واضح. فى الحالة الأولى كان التغيير هو النهاية السعيدة، أما فى الحالة الثانية فالنتيجة هى مزيد من التشرذم السياسى، والانخراط أكثر فأكثر فى حالة اللا معنى. والدليل على ذلك أن هناك اليوم دعوة إلى الإضراب دون أن تكون له أهداف محددة. فالحركة التى دعت إلى الإضراب ــ أى حركة شباب 6 أبريل ــ حددت جملة من المطالب ــ فى رأيى ـ غير متجانسة، ذكرتها سابقا. وعندما نزلت الحركة السوق السياسية بحثا عن مؤيدين للإضراب، كانت هناك جماعات تؤيد الإضراب لأسباب تخصها. عمال الإصلاح الزراعى يبحثون عن حوافز، وطلاب الجامعات المنتمين إلى الحركة رفعوا مطالب أخرى مثل إجلاء الحرس الجامعى، والالتزام بالمصروفات الدراسية المحددة، وحق سكن الطلاب المغتربين المدن الجامعية، وتطوير الخدمات المقدمة للطلاب، ومن بينها الكتاب الجامعى، وتبنى لائحة طلابية جديدة أكثر ديمقراطية. وأخيرا، فقد تبنى عدد من الصحفيين الإضراب، ورفعوا جملة من المطالب فى إطار لجنة الحريات هى إلغاء الحبس فى قضايا النشر، وعدم سيطرة أعضاء لجنة السياسات بالحزب الوطنى على الصحف القومية، وإعادة النظر فى طبيعة ملكية هذه الصحف، وتحسين رواتب الصحفيين. باختصار، فقد تحول يوم 6 أبريل، الذى أطلق عليه البعض يوم الغضب، إلى مناسبة تعبر فيها كل جماعة مهنية أو سياسية أو فئوية عما يزعجها ويضايقها، تعرض مطالبها.

(3)
الإضراب هو أداة سياسية حركية تُستخدم لتحقيق أهداف مباشرة ومحددة. ولا يوجد إضراب لمجرد أنه إضراب، أو يكون مستقلا فى ذاته، بل يأتى فى سياق جملة من الآليات السياسية التى يحكمها إطار فكرى محدد، وقيادة قادرة على إدارة مقاليد الأمور. إذا لم يتحقق ذلك، فإنه يتحول إلى حالة من العبث السياسى، وفرصة جديدة لمزيد من الانقسام فى صفوف المعارضة. فقد رفضت أحزاب المعارضة المشاركة فى إضراب 6 أبريل، وهو نفس الرفض«المعلن» للإخوان المسلمين، وقد وصفت إحدى قيادات «كفاية» القوى السياسية الرافضة للمشاركة فى الإضراب بأنه» لا يفسر إلا برضاها عن وضع النظام حاليا»، وهو اتهام جائر لا معنى له، يجسد حالة من القوامة السياسية التى أثبتت فشلها الذريع فى الواقع المصرى.

إننى أشارك الرافضين للإضراب رفضهم، لكننى غير راض عن حال النظام القائم، وأرى أن سياساته أدت إلى تهميش المواطن المصرى، ورفعت معدلات الفساد إلى سقف غير مسبوق، وأضعفت كثيرا من حضور مصر إقليميا ودوليا. لكننى فى المقابل، لا أؤيد إضرابا بلا هدف محدد، ولا أسعى لتغيير وضع قائم بإلقاء المجتمع فى المجهول السياسى، فهذه الحالة هى الفوضوية بعينها. إن قوى المعارضة التى تسعى لتغيير النظام القائم عليها أن تقوم بانتزاع حقها بالوسائل السلمية فى المشاركة، والتربية السياسية، تكون جبهات فيما بينها، وتقود معركة سياسية وفق برنامج محدد من أجل التغيير. إننى أتعاطف مع الشباب الداعى إلى الإضراب، وأثمن مطالبهم، وكثير مما ورد فيها خصصت فيه مقالات كثيرة، لكن القضية أكثر تعقيدا من مجرد إعلان الغضب.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات