تعبير مصرى صميم، له ما يشبهه فى اللغات الأخرى، وعادة ما يصدر عن شخص تعبيرًا عن ضيق من تدخل آخر فى شئونه الخاصة أو فى أمر لا يعنيه. هذه العبارة وردت على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء حديثه فى الاحتفال بليلة القدر عن الناس التى تمتعض أو ترفض رؤية كنيسة أمامها. وقال بشكل أكثر وضوحا «أنت مالك، خليك فى حالك، عسى أن تنجو بنفسك يوم القيامة». يرصد هذا الحديث أحد الأمراض النفسية الكبرى فى المجتمع، وهو ليس مقصورا على الشأن الدينى فحسب، بل يمتد إلى جميع مناحى الحياة.
فى أواخر التسعينيات عندما انتهيت من رسالة الماجستير حول «المساءلة فى الإدارة العامة»، التقيت بأحد السياسيين المعارضين، الذى رحل عن عالمنا، فقال لى بلهجة لا تخلو من مزاح ساخر هل هذا موضوع تختاره؟ فقلت له الموضوع جديد ومهم، فأضاف: نحن لدينا مساءلة، بمعنى أن الناس تدس أنفها فى شئون غيرها، ولكن ليس لدينا مساءلة بالمعنى الإدارى أو السياسى.
بالفعل يحتاج الناس فى مجتمعنا أن تتعلم درس «خليك فى حالك»، الذى يعنى الكف عن التطفل الاجتماعى الذى يعد من أسوأ مظاهر التخلف الثقافى. يظن البعض أنهم أوصياء على بعضهم بعضا، أو أصحاب قوامة اجتماعية على غيرهم، ويستبيحون خصوصياتهم، ويخوضون فى حياتهم الخاصة. وعندما ترك الناس مجتمعاتهم الريفية وانتقلوا إلى المدن، «تريفت» المدن، وصارت تحمل السمات الأساسية للمجتمعات الريفية، التى تتلاصق فيها البيوت، وتتلاشى الخصوصية، وتصبح الحدود الاجتماعية باهتة. هناك فائض فى العلاقات الاجتماعية، ولكن من نوعية العلاقات التى تقوم على اللغو، وكثرة الكلام، والخوض فى الخصوصيات، والنميمة، إلخ. الشارع صورة حقيقية لمجتمع لا يريد أن يكون فى حاله. الفتاة تُحاكم على ملابسها، وتطور الأمر وأصبحت تُحاكم على حالتها الانثوية، فالكل يتعرض لمعاكسات وتحرش أيا كانت الملابس، مقاهٍ منتشرة تحتل الرصيف، ولا تريد أن تكتفى بالحيز المتاح لها، أى لا تريد أن تكون فى حالها، قس على ذلك كل مظاهر العشوائية فى الطريق العام، الكل لا يريد أن يكون فى حاله أى لا يحترم القانون الذى يضع الحدود، ويود أن يتمدد على حساب الآخرين.
وأسوأ شىء أن الموظف يحب ويكره، ويعامل الناس وفق هذا التصور. هذه حالة تصفها كتب الإدارة العامة بأنها «بيروقراطية غير محايدة»، يتحيز ضد الناس لأسباب اجتماعية أو ثقافية أو دينية أو نفسية، لا يريد أن يكون فى حاله، بل ينصب نفسه وصيا على الناس، يمنح ويمنع، ويكافئ ويعاقب، الخ. هنا تظهر عوامل كثيرة فى خلفية الشخص مثل شعوره الطبقى، ثقافته الضيقة، عدم قبول الاختلاف، الحقد، ومرة أخرى لابد أن يكون الإنسان فى حاله.
ينبغى أن تقوم تربية المرء فى مجتمعنا على أهمية المجال الخاص، ويعرف أنه مسئول عن نفسه فقط، وحريته تنتهى عند حرية الآخرين، هذا هو جوهر التقدم، الفردية والإرادة الحرة والمشيئة الخاصة، أفضل من المبانى والأشكال المبهرة التى لا تعبر عن رقى فى الإنسانية، بل عن توسع فى العمران.