«الشارع لنا» - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:33 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الشارع لنا»

نشر فى : الثلاثاء 4 يونيو 2024 - 8:05 م | آخر تحديث : الثلاثاء 4 يونيو 2024 - 8:05 م

يستوقفنا فى الكثير من المدن التى نزورها اللوحات التى تزين جدرانا فيها، والمرسومة عليها بعناية وإتقان، وفضلاً عن المتعة البصرية التى تتيحها لنا مشاهدة هذه اللوحات، فإنها تحمل رسائل من رسموها إلى الجمهور، وهى رسائل لا تخلو من الجرأة، والرغبة فى كسر الصورة المعتادة عن الرسم، التى تحصره فى اللوحات المعلقة فى المعارض والمتاحف أو على جدران بيوت من يقتنونها.
الرسم على الجدران موغل فى القدم. تكفى الإشارة إلى الرسومات المبهرة فى المعابد الفرعونية، لكننا هنا بصدد الرسم على جدران الشوارع، وهو الفن الذى ترينا بدايات نشوئه طابعه المتمرد؛ حيث أراد أصحابه أخذه إلى الشارع، إلى الجمهرة الواسعة من المتلقين، بدلاً من أن يكون مقتصرًا على النخب المحدودة من روّاد المعارض، كما أن طبيعة هذا الرسم، وفضاء الجدران التى يرسم عليها تمنح الفنان مساحةً من الحرية قد لا تتيسر له فى فضاءات أخرى، للخروج على صرامة القواعد المتبعة فنيًا. ولا يقتصر «فن الشارع» على الرسم وحده، أو ما يعرف بـ«جرافيتى»، فقد يشمل أعمالاً نحتية وصورًا فوتوغرافية وغير ذلك.
راق لى وصف أطلق على هذا النوع من الفن، ورد فى مقال منشور على موقع «وورلد برس»، يقول الوصف: «الثقافة على قارعة الطريق»، مذكّرًا إيانا بعبارة الجاحظ: «الأفكار ملقاة على قارعة الطريق»، فإذا كانت هذه الأفكار كذلك، فما العائق فى أن يجاريها فى ذلك الفن، ويكون على قارعة الطريق يراه «العربى والأعجمى» لو استعرنا تعبير الجاحظ نفسه وهو يتحدث عن الأفكار؟ ولعلّ بعضكم يذكر كلمات الأغنية التى كتبها صلاح جاهين، وغنّتها ماجدة الرومى فى سنوات شبابها الأولى، فى فيلم يوسف شاهين «عودة الابن الضال»، القائلة: «الشارع لمين؟ الشارع لنا»، وثمّة قول أنّ بليغ حمدى وسيد مكاوى اشتركا فى تلحينها.
سنفترض أن عبارة صلاح جاهين «الشارع لنا» هى لسان حال الفنانين الذين اختاروا الشارع فضاءً لفنهم، يرسمونه على الجدران المحاذية لهذا الشارع، الذى يعبره المشاة، وليس هذا بغريبٍ أو مستهجن، فما أكثر ما نعنى بالشارع ليس الجانب المكانى له، وإنما نقوله، فى أحايين كثيرة، للتعبير عن الرأى العام أو الناس، فحين نقول إنّ الشارع راضٍ، نكون قد عنينا أن الناس راضية، والعكس صحيح أيضًا بطبيعة الحال.
خروج الفن إلى الشارع ليس بدعة اليوم. فالموقع المشار إليه يذكّرنا بأن العروض المسرحية فى زمن الرومان كانت تقام فى الشوارع، وبالمثل كان فلاسفة الإغريق، كسقراط مثلاً، يخاطبون جمهورهم فى الشارع.. وألم تكن سوق عكاظ فى عصور ما قبل الإسلام مكانًا يلقى فيه كبار الشعراء قصائدهم، وليست فقط مكانًا لبيع البضائع؟

حسن مدن
جريدة الخليج الإماراتية

التعليقات