حوار إيراني - سعودي واتهامات متبادلة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حوار إيراني - سعودي واتهامات متبادلة

نشر فى : الجمعة 4 أغسطس 2017 - 9:15 م | آخر تحديث : الجمعة 4 أغسطس 2017 - 9:15 م
الحوار أدناه دار منذ أيام قليلة بين كاتب سعودى ودبلوماسى إيرانى فى سياق ندوة علنية، كنت من بين حضورها. أنقله لكم، القراء الكرام، لكى نتثبت من أن منطقتنا تعيش زمنا بائسا تسفك به دماء الأبرياء، وتذبح على عتباته حقوق وحريات الناس، ويضحى فيه بفرص الشعوب فى التقدم والتنمية والحياة الكريمة، ويتفلت فيه حكام يبحثون عن الحكم المطلق والسيطرة الإقليمية من كل التزام أخلاقى وإنسانى ويسومون شعوب منطقتنا سوء العذاب. فى الحوار اتهم الكاتب السعودى الدبلوماسى الإيرانى بالتورط فى جرائم الأسد فى سوريا، فدافع الإيرانى عن موقف حكومته زورا وبهتانا. فى الحوار أيضا اتهم الدبلوماسى الإيرانى «الصديق السعودى» بمسئولية بلاده عن الحرب البشعة فى اليمن، فأنكر السعودى زورا وبهتانا. تنصلا من المسئولية ومارسا صياح الديوك المتنافرة، بينما الرصاص يستبيح دماء السوريين والقنابل والكوليرا تفتك باليمنيين. زمن بائس!
الكاتب السعودى: أنتم تقتلون الأبرياء فى سوريا والعراق، وتوظفون ميليشياتكم الإرهابية إما للدفاع عن حاكم مستبد يرتكب جرائم ضد الإنسانية أو لتمكين حكومة طائفية فاسدة من الانتقام من أتباع الطوائف الأخرى. هذه هى المهمة «المقدسة» للجمهورية الإسلامية فى إيران، وأضع صفة القداسة بين علامتى تنصيص لكى ألفت النظر إلى التناقض الفاضح بين التمسح بالإسلام العظيم من قبل حكام طهران وبين مخالفتهم لتعاليمه التى تحض على السلم والتسامح ونبذ العنف.
الدبلوماسى الإيرانى: أتعجب من حديث صديقنا السعودى عن الاستبداد، فهل أصبحت المملكة واحة للديمقراطية ونحن لا ندرى؟ الجمهورية الإسلامية لا تدعم مستبدين وليس لديها ميليشيات إرهابية. بل هى تتعاون مع الحكومة الشرعية فى دمشق للقضاء على جماعات إرهابية ومتطرفة جلبتها إلى سوريا أموالكم وأموال حلفائكم فى مجلس التعاون الخليجى، وجلبتها أيضا أسلحة الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من القوى الغربية. وفى العراق، تتعاون مؤسسات الجمهورية الإسلامية مع حكومة منتخبة تصارع لدحر الإرهاب الأصولى الذى نشرته الوهابية المتشددة فى الكثير من بقاع العالم الإسلامى وحملتنا – كمسلمين ــ وزر الخلط بين ديننا الحنيف وبين الإرهاب والعنف.
***
الكاتب السعودى: كعادة المسئولين الإيرانيين، يتحايل ممثل الجمهورية الإسلامية المحترم على القضايا محل النقاش وينتقل فورا إلى الهجوم على المملكة السعودية بادعاءات ملفقة واتهامات مرسلة. هل يستطيع أن ينكر أن إيران هى الحليف الإقليمى الوحيد لنظام بشار الأسد الذى لم يتورع عن استخدام الأسلحة الكيماوية لإبادة الشعب السورى الأعزل ولمعاقبته على الانتفاض ضد حكم الأقلية العلوية؟ هل يستطيع أن ينكر أن قوات الحرس الثورى وعملاء إيران كحزب الله اللبنانى وبعض الميليشيات العراقية تقاتل بجانب جيش الأسد، وترتكب جرائم متتالية ضد المدنيين السوريين كما حدث أخيرا فى حلب؟ هل يتنصل من المسئولية عن الجرائم التى تتورط بها ميليشيات الحشد الشعبى فى العراق فى مناطق السنة العراقيين كالموصل؟ أما عن الإرهاب المقيت، فلست فى وارد الرد على الادعاءات الملفقة بشأن الوهابية. فالوهابية مذهب دينى يرفض العنف ويدينه، ونحن فى السعودية نخوض على أرضنا ومنذ سنوات صراعا مريرا مع عصابات الإرهاب ونتعاون مع غيرنا من البلدان العربية وكل القوى الدولية لمواجهة داعش والقاعدة والمتطرفين فى كل جنبات الشرق الأوسط.
الدبلوماسى الإيرانى: مجددا، أتعجب من تجاهل الصديق السعودى لحقائق التاريخ القريب والواقع المعاصر. لحكام السعودية باع طويل فى تخليق وتمويل ودعم جماعات الإرهاب، كما أن العديد من الدراسات العلمية المحايدة أثبتت الدور الخطير الذى اضطلعت به منذ ثمانينيات القرن العشرين المراكز الوهابية المنتشرة فى آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية فى نشر الأفكار المتطرفة وتبرير العنف والقتل بهتانا باسم الدين وزرع البذرة الشيطانية التى اعتاشت عليها فيما بعد القاعدة وداعش وجماعات أخرى. أما فى منطقتنا نحن من العالم، سعت الوهابية ومن وراءها المال السعودى ومال آخرين فى مجلس التعاون الخليجى إلى اصطناع الصراع بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة وفرضه علينا فى إيران كوسيلة لاستدراجنا فى حروب طائفية والقضاء على الثورة الإسلامية. بذات اللغة التى خاطبنى بها الصديق السعودى، أتوجه إليه بالسؤال، هل ينكر أن السعودية أيدت ومولت وسلحت عدوان نظام صدام حسين على إيران وأن الوهابية الرسمية صورت الحرب زيفا على أنها صراع بين السنة والشيعة الذين ينعتون بالروافض؟ هل ينكر أن السعودية، شأنها شأن أغلبية البلدان العربية، لم تدن الجرائم ضد الإنسانية التى ارتكبها نظام صدام حسين ضدنا فى إيران بين ١٩٨٠و١٩٨٨ علما بأن بعض مدننا قصفت بالأسلحة الكيماوية؟ هل ينكر أن حكام السعودية صمتوا، مرة أخرى شأنهم شأن أغلبية العرب، على الجرائم المفزعة التى أنزلها صدام حسين بالشعب العراقى خاصة شيعة العراق والأكراد؟ متى أدانت السعودية مذابح الجنوب العراقى وحلبجة، لكى ترفع اليوم رايات القانون الدولى وحقوق الضعفاء ومحاسبة المستبدين وهى تنظر إلى سوريا؟ هل ينكر صديقنا أن السعودية وحلفاءها فى مجلس التعاون الخليجى استخدموا فى ٢٠١١ القوة العسكرية لقمع انتفاضة سلمية للشعب البحرينى ضد حكومة تراكمت مظالمها وانتهاكاتها بحق الأغلبية المنتمية للمذهب الشيعى؟ صديقنا يتحدث عن معايير مزدوجة، إن فيما خص الاستبداد الذى لم يغادر لا الأراضى السعودية ولا أراضى حلفائها أو فيما خص الجرائم ضد الإنسانية وأعمال الإرهاب والعنف التى يستحيل إنكار مسئولية السياسات السعودية المباشرة أو غير المباشرة عنها. من جانبى، لا أنكر أن الشعب السعودى يواجهون اليوم خطر الإرهاب داخل بلاده، غير أن التفجيرات الإرهابية التى تشهدها بعض المناطق السعودية والتى تدينها حكومة الجمهورية الإسلامية دون مواربة هى سم حكام الرياض الذى ارتد إلى صانعيه.
***
الكاتب السعودى: ليس فى حديث ممثل الجمهورية الإسلامية سوى تحايل، بل تهرب مستمر من مناقشة حقائق الدور الإيرانى الراهن فى منطقة الشرق الأوسط والجرائم التى يرتكبها الملالى وعملاؤهم من حزب الله فى لبنان ونظام الأسد فى سوريا وميليشيات الحشد الشعبى فى العراق وجماعة الحوثيين الإرهابية فى اليمن. لن أستدرج اليوم إلى نقاش عمومى حول السبعينيات والثمانينيات وأدوار الجمهورية الإسلامية وهى آنذاك ترفع شعارات «تصدير الثورة» وتتدخل فى شئون بلدان كالبحرين ولبنان لنشر حكم الملالى. ولن أستهلك وقتى فى حديث عن حروب وصراعات الشرق الأوسط الكثيرة يتجاهل كون المملكة سعت باستمرار إلى تجنبها وتشجيع جميع البلدان العربية وبلدان الجوار كإيران وتركيا على نبذ العنف. ولا تستحق الإشارة إلى موقفنا من نظام صدام حسين غير تذكير بغزوه للكويت وبمواجهتنا العسكرية له فى إطار تحالف عربى وإسلامى ودولى واسع. لا، لن أتحدث عن تلك القضايا، بل سأعود بالنقاش وبكم إلى اللحظة الراهنة. لننظر الآن إلى خريطة الشرق الأوسط، ونعين الحكومات التى تتورط فى العنف وتنشر عدم الاستقرار. هنا سنجد إيران وعملاءها على امتداد الخريطة. سنجدهم يفتعلون الأزمات السياسية فى لبنان لكى يسيطر حزب الله على مجتمع متعدد الطوائف. سنجدهم فى الواجهة يديرون إبادة الأسد للشعب السورى الأعزل، ويتورطون فى جرائم القتل والتهجير تارة من خلال قوات الحرس الثورى وتارة عبر حزب الله وميليشيات الحشد الثورى. سنجدهم يدفعون عملاءهم فى البحرين إلى تهديد استقرار تلك المملكة الصغيرة والإخلال بتوازنات الحكم بها. سنجدهم فى اليمن، فى مساعيهم لفرض السيطرة الشيعية على العرب والشرق الأوسط، يوظفون جماعة الحوثيين الإرهابية لتدمير اليمن. وسنجدهم قبل كل ذلك وبجانبه يركضون وراء امتلاك أسلحة الدمار الشامل لتهديد أمننا وأمن العالم أجمع.
الدبلوماسى الإيرانى: أسمعتم؟ ها هو صديقنا السعودى يخرج علينا بالكلمات التى تعبر بصدق عن رؤيته ورؤية حكام السعودية. يقول إيران تريد السيطرة الشيعية على الشرق الأوسط، يزعم أننا نبحث عن امتلاك أسلحة الدمار الشامل. فى هذين السياقين، أؤكد أن مثل هذه المقولات ليست غير افتراءات وادعاءات باطلة. فى اليمن، تشن السعودية وحلفاؤها حربا دامية على المدنيين العزل وتقتل الأطفال والنساء والعجائز وتدمر البنى التحتية لبلد فقير. وأدعوكم لقراءة تقارير المنظمات الأممية عن فظائع الحرب السعودية على اليمن، بل هى حرب سعودية إماراتية بامتياز. أما نحن، فندعم تنمويا وماليا وعسكريا الشعب اليمنى، والحوثيون جزء منه، فى مواجهة العدوان الظالم. الجمهورية الإسلامية وقعت مع القوى الدولية الكبرى (٥+١) اتفاقية ملزمة بشأن التكنولوجيا النووية وأعلنا بوضوح كوننا لا نبحث عن أسلحة الدمار الشامل. نحن فى إيران لا نريد قتلا أو حربا، ودورنا فى منطقتنا من العالم هدفه مواجهة الإرهاب واستعادة الاستقرار والانتصار لحقوق المستضعفين، وبالقطع الدفاع عن المقدسات الإسلامية فى فلسطين.

 

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات