هامش للديمقراطية ــ مراجعات ضرورية لليبراليين ولليسار (1-2) - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 2:39 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هامش للديمقراطية ــ مراجعات ضرورية لليبراليين ولليسار (1-2)

نشر فى : الأربعاء 4 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

نعود إلى البدايات: لكى يتبلور ويستقر التنظيم الديمقراطى للدولة وللمجتمع ولكى تواجه الاختلالات والعثرات الكثيرة لعملية التحول الديمقراطى، يتعين على الأحزاب والتيارات السياسية الممارسة الدورية للنقد الذاتى ومراجعة رؤاها وأفعالها دون توجس مدفوع فقط بحسابات المكاسب والخسائر الانتخابية المحتملة أو القبول الشعبى. فالأحزاب والتيارات السياسية حين تجعل من قيم الديمقراطية كالحرية والمساواة والمواطنة والمدنية وحقوق الإنسان وجهة عملها، تضطلع بمهمة تحديثية وتنويرية إزاء الدولة والمجتمع وتتعاقد ضمنيا مع المواطنات والمواطنين بالنقد الذاتى والمراجعة بهدف تجديد التزامها بقيم الديمقراطية وضبط الاختلالات والاعتذار عن الأخطاء. وهذا هو جوهر مجموعة النقاط التالية التى أطرحها على الليبراليين واليسار (واضع داخل مساحة اليسار أيضا الأحزاب والتيارات القومية والعروبية) فى مصر، مجددا من موقع الأكاديمى الذى عاد وليس السياسى الذى كان (هذه الصيغة التى أصر عليها إلى حين واستخدمتها فى مقالة سابقة واسترعت انتباه الأستاذة المحترمة شاهندة مقلد وتحدثت عنها معى بود أشكرها عليه) ومجددا من موقع المواطن المهموم بقضايا الوطن وفرصه فى تحول ديمقراطى ناجح.

١ ـ الفصل بين الدين والسياسة كشرط ضرورى لتفعيل المواطنة والمدنية: فى أعقاب ثورة يناير ٢٠١١ طالبت الأحزاب والتيارات الليبرالية واليسارية باعتماد مواطنة الحقوق المتساوية ومدنية الدولة فى الإطار الدستورى والقانونى والسياسى ورفضت تأسيس الأحزاب على أساس دينى أو أى أساس تمييزى آخر. إلا أنها، وإزاء ضغط الواقع المجتمعى الذى أعطى منذ استفتاء التعديلات الدستورية فى ٢٠١١ وزنا كبيرا لليمين الدينى، تراجعت واعترفت عمليا بوجود أحزاب وإن لم تؤسس دينيا إلا أنها زجت بالدين إلى دائرة الفعل السياسى والانتخابى دون ضوابط وروج بعضها للطائفية وللمذهبية المقيتتين ولمقولات كراهية الآخر التى تتناقض جوهريا مع المواطنة والمدنية. تلزم المهمة التحديثية والتنويرية الليبراليين ولليسار بالخروج من دائرة الالتباس هذه والعمل على أن يضمن الإطار الدستورى والقانونى والسياسى فصلا ناجزا بين الدين والسياسة وضوابط لمنع تكوين الأحزاب على أساس دينى ومنظومة ديمقراطية لمراقبة الأحزاب المحافظة ذات المرجعية الدينية لكى لا تزج بالدين إلى السياسة أو الانتخابات أو تروج موظفة لآليات الديمقراطية لقيم تتناقض مع المواطنة والمدنية.

٢ ـ الالتزام بمدنية الدولة لجهة دور المؤسسات العسكرية والأمنية: بعيدا عن التنازع غير الهامشى بشأن توصيف اللحظة الراهنة والموقف من تدخل الجيش فى السياسة، لا تملك الأحزاب والتيارات الليبرالية واليسارية إن هى أرادت الخروج من أزمة «المصداقية الديمقراطية» إلا أن تضغط سلميا بهدف العودة السريعة والمنظمة إلى آليات ديمقراطية نزيهة وشفافة متمثلة فى صناديق الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية وإنهاء الوضعية الاستثنائية لترتيبات ما بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣. لا ليبرالية فى سياسة لا يديرها ويتداول السلطة بها دوريا مدنيون منتخبون يقبلون المساءلة والمحاسبة، ولا يسار ديمقراطيا فى سياسة لا تسعى فى إطار الدولة الوطنية وسيادة القانون إلى إقرار مبادئ حيادية واحترافية المؤسسات العسكرية والأمنية ومراقبة الإرادة الشعبية عليها عبر السلطات العامة المنتخبة أى السلطتين التشريعية والتنفيذية وعبر سلطة العدالة أى القضاء.

٣ ـ تجاوز المعايير المزدوجة بشأن الحريات وحقوق الإنسان ومواجهة خطر ممارسات الدولة الأمنية: إذا كانت الدولة الوطنية تمثل شرط وجود

للديمقراطية واحتكارها لحق الاستخدام المشروع للقوة الجبرية ضرورى لفرض الاستقرار والسلم الأهلى، فإن الدولة هذه ومؤسساتها لا تتماسك أو تكتسب شرعية الرضاء الشعبى إلا فى إطار من سيادة القانون والعدل ومنع انتهاكات الحريات وحقوق الإنسان ومن ثم الحيلولة دون أن تتحول القوة الجبرية للدولة إلى استبداد أمنى بالمجتمع وتوحش وتغول على المواطنات والمواطنين وقمع للحرية زيفا باسم المصلحة الوطنية ومقولات تخوين وتشويه المعارضين.

هنا أجد لزاما على الليبراليين واليسار ممارسة النقد الذاتى ومراجعة مجمل مواقفهم من انتهاكات الحريات والحقوق وخطر عودة الدولة الأمنية الذى يهدد مصر اليوم، والفصل القاطع بين الدولة الأمنية التى جاءت ثورة يناير ٢٠١١ رفضا لها وبين الدولة الوطنية العادلة والمحترمة لسيادة القانون التى نصبو اليها. ولليبراليين ولليسار بتمثيلهم الحالى فى السلطة التنفيذية والمجلس القومى لحقوق الإنسان الضغط باتجاه إجراء تحقيقات قضائية ناجزة فى أحداث الأسابيع الماضية وباتجاه اعتماد منظومة قانونية متكاملة للعدالة الانتقالية (لا يمكن أن يكون جوهرها لا المحاكم الثورية ولا الإجراءات الاستثنائية).

وأتابع بالغد المراجعات الضرورية لليبراليين واليسار.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات