انفلات لا حرية - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:24 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انفلات لا حرية

نشر فى : الأربعاء 4 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 4 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

اخترع الباحثون فى معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا المعروف» اختصارا بـ«MIT» برنامج كمبيوتر يساعد الأشخاص الأقل قدرة على التواصل الاجتماعى على الانخراط فى حوارات تخرجهم من عزلتهم. البرنامج يحمل اسم «مدربى الآلى على المحادثة»، ويعتمد على ظهور وجه شخص على شاشة الكمبيوتر، يحمل ملامح إنسان عادى، يدير حوارا مع الشخص الجالس أمامه بنفس انفعالات الحوار الطبيعى.

هذا الخبر طيرته صحيفة «ديلى ميل» البريطانية منذ أيام، ويلفت الانتباه إلى أن هناك من يفكر فى رفع مستوى التواصل الاجتماعى للإنسان، بينما فى مجتمعنا نحتاج إلى العكس، أى برنامج كمبيوتر تساعد قطاعا من المواطنين يعانون من إفراط فى التواصل الاجتماعى إلى حد الخطورة على الذوق العام، والصحة النفسية، والتفكير السليم فى الأشياء.

هناك كم من الشتائم والسباب والابتزاز فى الحياة العامة، يعرف طريقه إلى المواطن البسيط فى وسائل الإعلام. وبات الإنترنت مرتعا للانفلات اللغوى والأخلاقى، والخوض فى خصوصيات الآخرين، وإهانتهم. أعرف أن هناك ابتزازا يُمارس ضد بعض الشخصيات العامة من جانب مجموعات من «المرتزقة الإلكترونيين» يجلسون أمام الإنترنت، يشبهون الميليشيات الإلكترونية التابعة للإخوان المسلمين، يقومون بالاعتداء المستمر على بعض الشخصيات إما لابتزازها ماليا أو لتشويه صورتها لحساب آخرين. الغريب أن تلتفت إليهم وسائل الإعلام، ولا تسأل أولا عن كينونتهم. وقد أدى تخصيص مساحات إعلامية للخوض فى خصوصيات الناس إلى فتح شهية المشاهد والقارئ للتعبير عن رأيه باستخدام شتائم وأوصاف بذيئة طالما أن القاعدة السائدة هى التجاوز فى القول. إننى أشعر بالأسى تجاه شخصيات أصبحت تلوك الألسنة نزاهتها العلمية والوطنية فى وسائل الإعلام دون دليل أو بينة لمجرد أن لهم تصورا أو رأيا مختلفا، وللأسف يتحول الناس إلى ببغاوات يعيدون إنتاج نفس الاتهامات حيالهم.

من يرد كرامة هؤلاء أو يعيد الاعتبار إليهم؟ ألم يحدث نفس الأمر عقب سقوط نظام مبارك، ووجدنا أناسا محترمين يتعرضون لهجوم فى الإعلام، وتعليقات جارحة من الناس فى الشارع، وبعضهم عُلقت لافتات ضدهم فى الطريق العام، ولم يثبت عليهم جرم أو اتهام، وربما يقابلهم الناس الآن بحفاوة. ألم تتعرض مؤسسات عامة بأكملها للإهانة والتجريح رغم دورها المهم؟ ألم يتهم يوما باحث مهم مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم، وأفردت الصحف صفحات كاملة لأسابيع وشهور للطعن فى نزاهته، ثم برأته لاحقا محكمة النقض. الملفت أن بعض الإعلاميين الذين تخصصوا فى الهجوم والتشهير بالرجل هم الذين يقومون باستضافته فى برامج التليفزيون، ويجرون معه حوارات صحفية. هل نعيد نفس الطريقة مرة أخرى مع مثقفين وباحثين وكتاب لم يرتكبوا جرما سوى أن لهم رأيا مختلفا، وهذا حقهم، وحق المجتمع عليهم أن يسمعهم، فلا ديمقراطية دون تعددية فى الرأى، ويثبت التاريخ أن تجفيف منابع الاختلاف يقود إلى كوارث كبرى. ألم يحن الوقت لوضع ميثاق شرف إعلامى، الذى كان بالمناسبة أحد بنود خارطة الطريق الذى يسير عليها النظام السياسى الآن؟

لا أعرف لماذا لا يتعلم المجتمع من أخطائه؟ هل نحن بحاجة إلى خبراء من معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا» يضعون برامج كمبيوتر تعلم الناس، وبالأخص أهل السياسة والإعلام الحوار المؤدب، واللغة المهذبة، والنقاش المحترم

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات