الطريق بين السلطة القائمة والتيار الإسلامى المطالب بعودة ما قبل 30 يونيو لا يزال مسدودا، بينما الاستحقاقات الدستورية والسياسية أصبحت على الأبواب. التحدى الآن الذى يواجه السلطة أقل من المأزق الذى يواجه التيار الإسلامى.
التحدى الذى يواجه السلطة هو حشد الجماهير بما يضمن زيادة معدلات المشاركة فى الاستفتاء على تعديل الدستور مقارنة بما استطاع الإسلاميون حشده لتمرير دستور 2012م، وبنسب تصويت بالموافقة أعلى مما استطاعوا الحصول عليه (الثلثين تقريبا). وهو تحد ليس هينا، لكنه ليس مستحيلا لأن هناك أطرافا سياسية تستطيع أن تحشد، وتحفز، وتدفع المواطنين على طريق المشاركة. القضية الأخرى هى «الاستيعاب» الذى تطالب به الحكومات الغربية، الأوروبية والأمريكية، لضمان حضور تنوع سياسى فى الترتيبات السياسية المستقبلية (الانتخابات البرلمانية مثلا)، وهو أمر أيضا صعب، لكن يمكن تأمين مشاركة أطراف إسلامية، مما يعطى العملية السياسية الطابع التعددى.
المأزق الذى يواجه التيار الإسلامى الرافض لخارطة الطريق أكثر تعقيدا، وتكلفته السياسية عالية. الاستفتاء على تعديل الدستور نموذج فى ذاته لأنه أول استدعاء منظم للجماهير للاستفتاء على خارطة الطريق ذاتها. هناك بديلان أمام الإخوان المسلمين وحلفائهم. الأول هو حشد الجماهير للتصويت بالرفض على مسودة الدستور المقترحة. فى هذه الحالة تكون المشاركة أيا كانت اتجاهاتها قبولا بخارطة الطريق، واعترافا ضمنيا بأن الإخوان المسلمين أصبحوا فى صفوف المعارضة إذا أفرزت نتائج الاستفتاء أغلبية كبيرة أيدت مسودة الدستور. البديل الثانى هو مقاطعة الاستفتاء برمته، وهو اختيار محفوف بالمخاطر لأن المشاركة الشعبية الواسعة فى الاستفتاء، والموافقة على مسودة الدستور بأغلبية كبيرة تؤديان إلى نفس النتيجة السابقة وهى: أن الإخوان المسلمين وحلفاءهم لم يعودوا قادرين على التأثير على الجماهير، وانتقلوا إلى هامش السياسة. كلا الموقفين ارتطمت بهما جبهة الإنقاذ عند الاستفتاء على دستور 2012م. المشاركة تحمل قبولا بنتائج الاستفتاء، ومن ثم تحديد الوزن النسبى لها على المسرح السياسى، والمقاطعة تقذف بالمقاطعين إلى الهامش إذا خرجت الناس بأعداد غفيرة تصوت بـ«نعم» على مسودة الدستور. انتهى الأمر إلى تخبط بين مشاركة ومقاطعة، ودخلت جبهة الانقاذ وقتئذ مرحلة تراجع على مستوى الشارع خاصة بعد انتهاء أحداث الاتحادية.
يواجه الإخوان المسلمون وحلفاؤهم المأزق ذاته: المشاركة أم المقاطعة، وكلا الأمرين له نتائج سلبية عليهم. البديل الثالث الذى قد يلجأون إليه هو عدم إعلان موقف واضح من الاستفتاء، واللجوء إلى محاولة تقويضه، وتعميق انقسام البيئة السياسية من حوله من خلال تظاهرات الطلاب، وتشجيع الاحتجاجات الفئوية، ومحاولة شل مفاصل الدولة تارة بالاحتجاج السلمى، وتارة أخرى باستخدام وسائل احتجاجية عنيفة. كل ذلك بهدف إرسال رسالة مفادها أن الدستور الجديد، أو المعدل، لن يشكل أساسا للاستقرار أو الانخراط فى مسار ديمقراطى.
أيا كان الموقف الذى سوف يتخذه الإخوان المسلمون وحلفاؤهم هذه المرة، فإن المأزق سوف يتكرر مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية: هل سيكون لهم مرشح رئاسى؟ أم يدعمون مرشحا غير إسلامى؟ هل سيشاركون فى الانتخابات البرلمانية بشكل سافر أم مستبطن؟ هل سيدعون مؤيديهم للمشاركة فى الاستحقاقات الانتخابية أم المقاطعة.
الأسئلة كثيرة، لكنها تبدأ من الاستفتاء على الدستور.