لم يختلف الجدل حول فستان الفنانة «رانيا يوسف» عن أحداث أخرى مشابهة. الناس فى هذا الأمر اتجاهان. هناك من رأى أن الفستان مستفز، وفاضح، وكاشف، وكنت وما زلت أحدهم، وهناك من رأى أنه شأن خاص لصاحبته، وأفاض فى الحديث عن مفهوم «العرى»، بوصفه تعبيرا عن فقر وحاجة وقبح الزمان أكثر من كونه فستانا عاريا على جسد فنانة. هذا الاستقطاب نراه فى كل الأحداث التى طرفها شأن له علاقة بالمظهر العام، رغم أن باطن المجتمع يموج بالكثير من أوجه التراجع الاخلاقى، ويكفى ما نطالعه من حوادث لم تكن مألوفة أو معروفة فى المجتمع المصرى، خاصة «زنا المحارم».
أيا كان المسار الذى سار فيه الأمر ما بين اعتذار الفنانة، وبيان نقابة المهن السينمائية الذى أدانها، وتوافد عدد من المحامين على تحريك دعوى قضائية ضدها، فإن الحقيقة التى تظل قائمة أن هذا النمط من الجدل، الذى امتد للصحافة الغربية، نابع فى الأساس من حالة الاستقطاب التى يشهدها المجتمع. هناك من يرى جسد المرأة عورة يريد تغطيته، وهناك من يفرط فى كشفه بدعوى الحرية والحداثة، وكلاهما على خطأ، ويحرم المجتمع من اتزانه، ووسطيته، ورغبته فى أن يكون طبيعيا. فقد حدث انقطاع فى التطور الطبيعى للمجتمع، مما جعله أسير استقطاب قاس على جانبيه، وحرم المواطن العادى من العيش بشكل طبيعى فى حالة اتزان نفسى واجتماعى. والملفت أن كلا من طرفى الاستقطاب يغذى الآخر، ويقتات عليه، ويتمنى أن يظل موجودا حتى يضمن وجوده هو ذاته. دعاة تغطية جسد المرأة، وإلغاء هويتها الانثوية يرون أنه المنقذ إزاء الفجور، وكشف العورات، والأجساد العارية، والذين يطالبون بمسايرة الموضة أيا كانت الثقافة التى تعكسها بما فى ذلك الأزياء التى تكشف الجسد يرون أنه تعبير عن الحرية الشخصية، ورد فعل لمجتمع مغلق منافق، يهتم بالشكل دون الجوهر، ويريد أن يغلق منافذ الحرية الاجتماعية. كلا الاتجاهين يتغذيان على بعضهما بعض.
فستان «رانيا يوسف» نكأ الجرح الذى نراه فى مناسبات كثيرة، غالبيتها مرتبط بالثقافة والفن، مثل رواية أو قصة أو فيلم أو ما شابه. هذه مسألة مرتبطة بالحداثة والنظرة إلى التقدم، لا يجب أن تكون موضوعا منظورا أمام المحاكم، أو يلاحق قضائيا الفنان أو المثقف الذى أثار حفيظة الناس بعمل ثقافى أو فنى أو رداء له، وإلا لماذا لا نفعل العكس إزاء من يروجون الآراء التى تنال من المرأة، وتحض على استعمالها، وكراهيتها، لأن هذه الآراء هى أيضا ضد الدين والهوية المصرية وتقاليد المجتمع الموروثة.
فى الحقيقة أن أزمة فستان «رانيا يوسف» قدمت دليلا إضافيا على فقدان المجتمع اتزانه اجتماعيا، وهو بالفعل بحاجة إلى أن ينتفض دفاعا عن وسطيته، ولكن ليس فقط فى مواجهة العرى، وإنما أيضا فى مواجهة التخلف الفكرى الذى لم يعد يستفز كثيرين للأسف.