الناس فى مجالسهم يتحدثون عن حادث محطة مصر بوصفه مدبرا، وراءه أصابع إرهابية. ويتفننون فى البحث عن شواهد تدعم رأيهم. وانتقل هذا الرأى إلى الإعلام، وتناقله عدد من الإعلاميين، حتى قبل أن تبدأ إجراءات التحقيق الرسمية، التى لم تثبت ذلك على الأقل إلى الآن. وبعض المنابر المحسوبة على الإخوان المسلمين، كعادتها فى مثل هذه الأحداث، من توجه الاتهام للنظام الحاكم منطلق النكاية السياسية، وهو أمر فيه كثير من فكر المؤامرة الذى لا تثبته الشواهد ولا المنطق السياسى، ولكن التفسير الراجح إلى الآن، والذى ذهبت إليه جهات التحقيق أن الحادث تعبير عن إهمال ورعونة. ولمَ الاستغراب؟ كثير من أحوال حياتنا المضطربة يحل الإهمال طرفا أساسيا فيها. والذين يبحثون عن «الفاعل المدبر» للحادث، ينسون أن العديد من المآسى التى عاش فيها المجتمع المصرى جاءت نتيجة الإهمال منها حوادث القطارات التى وقعت فى كل العهود تقريبا.
هناك عدم تقدير لأوجه السلامة فى كثير من أحوالنا، التى يبدو أن الله حافظ لنا، وهو خير الحافظين. الطريقة التى نقود بها السيارات خاصة على الطرق السريعة، وأسلوب تأمين المنشآت العامة والخاصة على السواء، ومراعاة قواعد السلامة المهنية فى المنشآت والمحلات والمساكن، تؤكد جميعا أن الإهمال سيد الموقف، ولا نراعى أبسط القواعد التى تحفظ سلامة الأشخاص والمبانى. ما زالت العشوائية والتواكل والسلبية أسلوب حياة أكثر من كونها أمراضا اجتماعية، إلى حد أن الدولة باتت تجبر الناس على الحفاظ على صحتهم مثل مشروع مائة مليون صحة.
المساءلة مطلوبة، والتدريب المستمر لرفع القدرات ضرورى، ولكن الأهم فى رأيى هو التربية، أن ينشأ الجيل الجديد على أساس من الوعى بالمخاطر، والأسلوب الأمثل لإدارة شئون الحياة، وتطوير القدرات باستمرار. إذا لم يتحقق ذلك لن يتقدم المجتمع، وسوف نستمر نستيقظ على كوارث هنا وهناك. هناك منظومة متكاملة تحكم فكر التطور: مراعاة المعايير الدولية فى إنشاء وسلامة وصيانة المنشآت، تدريب الأفراد على طرق السلامة، خاصة وقت المخاطر، الآخذ بالصيانة الدورية لكل المعدات أيا كانت طبقا للجداول الزمنية المعتمدة، والتخلص من ذهنية «ننتظر حتى تجيب آخرها»، واعتبار صيانة الآلة أو المبنى جزءا من استدامته، وبقائه فى العمل أطول فترة ممكنة، وحتمية الملاحظة والمحاسبة والرقابة لكل العمليات التى تحدث فى إطار العمل، بما فى ذلك الأعمال الروتينية المعتادة، الاهتمام بالشكاوى وآراء العاملين والمتعاملين على حد سواء، الخ. هذه المنظومة فيها فكر وإجراءات، ولكن الأهم هى ثقافة فى المجتمعات الحديثة التى تبحث عن التطور، ولا تنتظر حدوث كارثة بل تضع القواعد الكفيلة بدرء المخاطر منذ البداية.
سعدت كثيرا عندما علمت أن إحدى المدارس الخاصة خصصت جزءا من اليوم الدراسى لتدريب الطلاب والطالبات على الإخلاء السليم لمبنى المدرسة فى حالة حدوث زلزال أو حريق، والتوعية بالأساليب السليمة فى هذه المواقف، أظن أن هذه البداية، وأتمنى أن تنتقل هذه الثقافة إلى المدارس، وبقية المنشآت التعليمية، لأن هذا هو الأمل إذا أردنا التغيير.