نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة «آمال قرامى» وجاء فيه:
«نسوية نسوية تحيا المرأة الجزائرية»، «مساواة بين الخوا والخوات»، «ماكاينش ديمقراطية بلا حقوق النساء»، «الحريات الفردية»...
شعارات، وهتافات تُعبر عن وعى نسوى مفاده أن ما حدث بعد حرب تحرير الجزائر 1962 للنساء المجاهدات لا يمكن أن يتكرر. فما عادت الجزائريات اليوم قادرات على الرجوع إلى البيوت بعد أن كن يتسلقن الجبال مدججات بالسلاح... فللنساء أدوار فى مرحلة ما بعد الثورة وما بعد الفعل السياسى الاحتجاجى، ولا يمكن أن يعدن إلى البيوت وكأن شيئا لم يحدث فى الوعى الجمعى.
ولذلك تُطالب أغلب الجزائريات بالتغيير المنصف الذى لا يتنكر للجهود التى تبذلها النساء فى هذا السياق التاريخى المفصلى، ولا يتجاهل حقوقهن وتصوراتهن للمستقبل. فالاحتجاجات السياسية التى تجرى فى الفضاءات العمومية تشارك فيها النساء من كل الأعمار والطبقات والجهات مثبتات أن إدارة الشأن العام تخص الجميع وفق مبدأ المواطنة وأن الفرصة سانحة للمطالبة بحزمة جديدة من الحقوق.
ولا شك أن خروج الجزائريات إلى الفضاء العمومى بمثل هذه الأعداد، قد عكس تصميما على تغيير الصور النمطية التى سيجت أشكال حضور النساء فى العشريتين الأخيرتين فى المشهد العام. فالجزائريات لسن راضيات بواقعهن ولا مستسلمات بل لهن إرادة وجرأة وعزيمة... وهن إذ يهتفن ويعبرن أمام الكاميرا عن آرائهن بكل حماس يؤكدن مرة أخرى مدى قدرتهن على امتلاك الصوت، ورغبتهن فى تقرير مصيرهن بمعية الرجال ورفضهن أن يكن تابعات ومكملات.
واللافت للانتباه فى هذه المسيرات التى تقودها النساء أو تشارك فيها جنبا إلى جنب مع الرجال أنها قد عبرت عن كم الغضب والسخط والاستياء وحجم المعاناة فكانت فرصة للتنفيس والبوح والتحليل والاقتراح دون خوف أو وجل أو أسماء مستعارة أو حجب... ثم إن هذه المسيرات احتوت كل عناصر الفرجة من موسيقى ورقص، وغناء وعرض للجسد المحرر من قيود المجتمع المحافظ... ففى زمن الاحتجاجات تتزحزح الحدود، وتبرز علاقات مرنة بين مختلف المشاركين والمشاركات فى التغيير ولكن إلى حين.
إن تصميم النساء على امتلاك الفضاء العمومى وممارسة حق التعبير والمطالبة بتغيير قانون الأحوال الشخصية فى اتجاه يحقق المساواة بين الجنسين جعلهن يعبرن عن مطالبهن بكل شجاعة كحق الجزائرية فى الزواج بغير مسلم، والحق فى المساواة فى الإرث... وبما أن سقف المطالب بدأ يرتفع وأن الفتيات صرن يرقصن فى الساحات، ويضحكن ويتحدين تقاليد المجتمع المحافظ والمسلم و... كان لابد من بروز المنافحين عن حق الرجل فى ممارسة الرقابة على جميع النساء، وخاصة «المنفلتات» ولذا كان التخوين والتشكيك فى وطنية الجزائريات، واتهامهن بالنزعة «الانفصالية» وكان العنف شكلا من أشكال إثبات القوامة وممارسة «الردع» ورسم الحدود الجندرية وضبط من دفعهن حماسهن إلى نسيان الهوية العربية الإسلامية، والدين، والأمة... وهنا جاز الحديث عن جدل الأنوثة مع الذكورة، والإرباك الحاصل فى بنية العلاقات بين الجنسين...
لاشك عندنا أن الحركة النسوية الجزائرية تعيش على وقع ديناميكية جديدة فيها إيمان بالتنوع والتعددية، فالأجيال الجديدة تتجاور مع جيل المؤسسات للحركة ليشكلن واقعا جديدا أبرز ما فيه الإيمان بأهمية التشاركية والضغط المستمر والتنسيق مع الحركات النسوية المغاربية والعالمية والتآزر من أجل انتزاع الحقوق.
الدرس الذى تعلمته الجزائريات هو أن لا مجال للقبول بسياسة ترتيب الأولويات ولا مجال للصبر... فمن الغباء القبول بسياسة المراحل: اليوم الديمقراطية ثم تأتى بقية المطالب...
الجزائريات هن اليوم فى الصفوف الأمامية متمسكات بأن لا ديمقراطية دون المساواة... ولا ديمقراطية بدون حقوق النساء.