ككل سنة، انشغل كثير من مستخدمى شبكات التواصل الاجتماعى بالتعليق على المسلسلات التى تعرضها التلفزيونات والمنصات العربية فى شهر رمضان. هناك من يحلل المضمون، كالقصة والإخراج والخط الدرامى والسيناريو، وهناك أيضا من يعلق على أداء الممثلين وأزيائهم وقصات شعرهم والعمليات الجراحية التى ربما طالت وجوههم منذ آخر ظهور لهم. فى شهر رمضان، تسيطر أحداث المسلسلات على كثير من الأحاديث خلال اليوم وعلى مائدة الإفطار وفى المساء، حتى أن أسماء الفنانين تصبح متداولة وكأنهم أشخاص فى حياتنا، فنتفاعل مع أزمة زواج فلانة ونعود إلى حى كان فيه فلان جارنا أثناء الحرب.
• • •
أحب كثيرا متابعة التعليقات على اختلافها وأن أدلو بدلوى فأعلق وأحلل، ثم أفكر باختلاف وجهات النظر وأفهم من خلالها اختلافات التوجهات فى المجتمع. أرى أن شبكات التواصل الاجتماعى أعطت لكل صاحب حساب القدرة على التعبير عن الرأى، وهو بحد ذاته تحول هائل فى العشرين سنة الأخيرة.
• • •
رأيت أحيانا من يشتكى من سهولة تداول الآراء وكيف أعطت هذه الشبكات للناس إمكانية التعليق والنقد وكأن الجميع صار ناقدا فنيا أو معلقا ومحللا سياسيا. لم لا؟ أظن أن هناك فرقا بين الإدلاء بالرأى وبين النقد والتحليل، وليس كل رأى هو تحليل لخبير. أرى تطورا هائلا فى عالم صار مترابطا وفى آراء صارت تجوب العالم الافتراضى وأرى تطورا إيجابيا فى الإدلاء بالرأى والخوض فى نقاشات قد تحتد أحيانا حول أمور قد لا تكون بهذه الأهمية.
• • •
النقد الفنى مجال وله أساتذته، وكذلك التعليق السياسى فهو علم. لكن ما الضرر من التعليق على محتوى مسلسل وأيضا حول المصنعية والحرفية والفن والديكور والمكياج؟ أرى فائدة كبيرة من وجود وسائل تسمح لأى شخص بالتعبير عن رأيه والدخول مع آخرين فى نقاشات حول واقعية المشكلة، ديكور البيت، أو أزياء العمل التاريخى. أنا عن نفسى أستمتع كثيرا بقراءة التعليقات وأفهم أن ما قد أرى فيه معضلة قد لا يعنى الكثير لمن حولى. أو قد أنتبه إلى موضوع يثير الارتباك والجدل رغم أنه لم يجذب انتباهى أصلا.
• • •
عموما، أنا من هواة مسلسلات رمضان والنقاشات التى تتيحها. أحب التعليق وأحب أن أقرأ تعليق الآخرين. أحب أن أحتل غرفة الجلوس وأفرض على عائلتى صوت الممثلة وهى تضحك أو تبكى فتسألنى ابنتى عن القصة. أحب أن يتدخل زوجى أثناء مشاهدتى عدة مرات فأطلب منه أن يشاهد ليفهم بدل أن يدخل على المسلسل فى أوقات متقطعة ويقطع مشاهدتى. أحب ساعات بعد الظهر البطيئة حين أعود من العمل وأنتظر موعد الإفطار، ها أنا طفلة ثم مراهقة أستلقى على الكنبة أشاهد المسلسل السنوى كملايين من الناس فى زمن كانت نافذتنا جميعا على مسلسلات رمضان هى القناة الأرضية فى بلادنا المختلفة التى كانت تذيع مسلسلا مصريا ننتظره جميعا.
• • •
كان هذا عالم ما قبل الفضائيات وما قبل المنصات الرقمية. عالم يبدو أن بعضنا بدأ يذكره بشجن وعالم لا يعرفه جيل أولادنا، وهو جيل اليوتيوب وإمكانية اختيار البرامج. أما حينها، فقد كانت أجيال الأسرة كلها تتابع المسلسل ذاته، كما تتابعه الخالة التى استقرت مع زوجها فى بلد آخر، والجدة من طرف الأب التى تزور ابنها، أى العم، حيث يعمل منذ سنوات.
• • •
أنا أعاند التكنولوجيا الحديثة نوعا ما وأطلب من أولادى أن يتابعوا معى مسلسلا واحدا اخترته هذه السنة. أريدهم أن يستلقوا أيضا فى غرفة الجلوس فى ساعات بعد الظهر البطيئة يشاهدون أحداثا تدور فى القاهرة أو بيروت أو دمشق ويسألونى عن الشخصيات والمدن. أراهم غير مهتمين وهو شىء يزعجنى. ألقى بهم فى المستقبل وأسألهم بعد ثلاثين سنة عن طفولتهم ومراهقتهم خلال شهر رمضان، هل من المعقول ألا يكون رمضانهم مليئا بشخصيات يعودون إليها فى أحاديثهم اللاحقة مع أولاد جيلهم؟
• • •
عودة إلى نقاشات الأصدقاء على شبكات التواصل الاجتماعى، أرى أن النقاش يحدث زخما حول العمل ويشارك فى نشره. أرى أنه، وكما لعب الإعلام التقليدى فى الماضى دورا فى نشر الأعمال التلفزيونية، يلعب اليوم الإعلام الرقمى والاجتماعى دورا فى تشجيع فيلم أو مسلسل وحشد الناس والمشاهدين حولهم حتى لو نقدوهم. لا مفر من نقاشات على الصفحة الزرقاء ولا شك أن لكل رأيه وما أحسن أن نختلف حول الفن والثقافة لنغنيها ونظهر التنوع. قد نعيد التذكير ببعض أطر النقاش فنبتعد عن التجريح الشخصى وعن تعليقات مؤذية قد ترقى إلى حد التنمر، لكن لنشجع الأحاديث الافتراضية خصوصا فى مجتمعات تفرقت فيها العائلات عبر الحدود وأحيانا عبر القارات.
• • •
رمضان كريم على الجميع وكل عام ونحن نتفق ونتشاجر حول الشخصيات، سواء حول الإطار أو فى الفضاء الأزرق.