الدكتورة «سيما شوشى» أستاذة الاقتصاد بجامعة «دلهى» فى الهند، كتبت مقالا موجزا لكنه عميق عن تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد، لفت نظرى إثارتها لقضية مهمة أن مواجهة الفيروس أدت إلى تمدد الاقتصاد غير الرسمى. وهى ملاحظة صحيحة، فقد تسببت الإجراءات الاحترازية إلى إغلاق العديد من منافذ الاقتصاد الرسمى، وتسرب العاملين فيها إلى الاقتصاد غير الرسمى، يضافون إلى حجم العمالة المتمدد فيه. بالطبع تنطبق هذه الملاحظة إلى حد بعيد على الدول التى تعانى من تضخم ظاهرة الاقتصاد غير الرسمى، وهى ليست دولا متقدمة بالمعايير المعاصرة.
وحتى لا يتوه القارئ فى مصطلحات تبدو شائكة، فإن الاقتصاد غير الرسمى يعنى الاقتصاد الذى يدار خارج المؤسسات الاقتصادية، فهو غائب عن سجلات الدولة، ولا يسدد أصحابه ضرائب، والعاملون فيه غير مؤمن عليهم، هو بالمناسبة ليس نشاطا خارجا عن القانون، لأنه يشمل فى معظمه أنشطة مباحة، لكنه نشاط غير قانونى.
فى المجتمع المصرى أنعشت الإجراءات الاحترازية الاقتصاد غير الرسمى، فقد أغلقت المقاهى أبوابها، أو غيّر أصحابها نشاطها مؤقتا سواء بتحويلها إلى أماكن لبيع الخضار والفاكهة أو بيع مستلزمات شهر رمضان، وانتشرت العربات المتحركة التى تقدم مشروبات، وبعضها يفترش الرصيف ببعض الكراسى فيما يشبه المقهى الموازى، ومع تحجيم الأسواق التى تشهد كثافات بشرية، مما يخشى انتقال العدوى إلى عدد كبير من الناس، زاد حضور الباعة المتجولين فى الشارع، وزادت بكثافة خدمات الديلفرى أو توصيل الطلبات إلى المنازل، وهم فى غالبيتهم عمالة غير منظمة، خارج مظلة التسجيل الرسمى، وانتشر بيع الملابس فى الشوارع خاصة مع تحديد مواعيد إغلاق المحلات، وكثُرت العربات المتحركة التى تبيع الحلوى والمشروبات، حتى إن مستلزمات الوقاية من فيروس كورونا مثل الكمامات والقفازات أصبحت تباع على مستوى القطاع غير الرسمى، وتجدها فى أيدى الباعة فى الشوارع.
قد تكون هذه الحالة فى جانب منها تعبيرا عن مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية على قطاعات من السكان غير قادرة على تحمل الظروف الاقتصادية الاستثنائية، واتجاه البعض إلى تدبير نفقات معيشته أو سداد إيجار المحلات المغلقة أو تسديد مديونيات سابقة، ولكن الإشكالية توضح أن مسألة دمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى لا تزال صعبة، وهناك دائما بدائل لدى أصحابه يمكن اللجوء إليها، والأجهزة المحلية فى بعض الأحيان تتساهل أو تستفيد من كل مظاهر الاقتصاد غير الرسمى ليس لصالح الدولة أو حفاظا على مواردها، ولكن تحقيقا لمكاسب شخصية للعاملين فيها، فيما يشبه الانتفاع المتبادل، فى أحيان كثيرة تبدو الأجهزة المحلية غير راغبة فى تقنين أوضاع غير قانونية، أو تستفيد من استمرارها. وأظن أنه لولا حزم توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن إزالة المبانى المقامة على أراضى الدولة أو بشكل غير مرخص خلال الانشغال بمواجهة فيروس كورونا، لحدث مشهد قريب مما رأيناه فى فترات سابقة من تزايد حجم المخالفات.
ملاحظة أستاذة الاقتصاد «سيما شوشى» مهمة، خاصة فى سياق التفكير فى تداعيات فيروس كورونا، وقد يكون من المهم أن يفكر أساتذة لدينا فى كل التخصصات فى قضايا شبيهة، حتى لا يستغرقنا الحدث، ولا ندرك مسارات التعامل مع تداعياته.