تناولت فى هذه الزاوية الأسبوع الماضى إشكالية أستاذ جامعى قدم كتابا قرره على طلابه به إساءة للمسيحية. البعض نظر إليها من منطلق دينى، وهم كثر، ولكن آثرت أن أنظر إليها بمنظور أكاديمى أوسع، لأن الإشكالية ليست فقط فى الإساءة لمعتقد دينى أو للمؤمنين به، ولكن فى تردى البحث العلمى ذاته، وهو ما يقلقنى، لأنه يمتد إلى جوانب الحياة المختلفة. فماذا لو لم يسئ أستاذ إلى معتقد دينى فى كتاب جامعى، لكنه نشر ضيق الأفق، والتفسيرات المغلوطة، والتطرف فى الفكر، والجمود فى النظرة؟ النتيجة واحدة: البحث العلمى لا يسهم فى الارتقاء بحال الإنسان.
عدد من كبار الأساتذة والمثقفين تفاعل مع ذلك على «الفيس بوك»، وجميعهم من تخصصات مختلفة، ولهم باع فى الحياة الأكاديمية. فقد ذكر الدكتور أحمد صقر عاشور، أستاذ إدارة الأعمال «إن ما ينتج من كتب جامعية، وما يقدم للطلاب فى المحاضرات فى جامعاتنا لا يخضع لمراجعة أو مساءلة أو أى معايير جودة حقيقية. فجامعاتنا غير مساءلة عن أدائها وممارساتها، وهناك فجوات خطيرة فى منظومة الحوكمة الأكاديمية، ويفسر هذا تدهور أوضاعنا العلمية والاكاديمية، والأخطر فى ظل مناخ لا يقوم على الموضوعية أن يتم اختطاف عقول طلابها فى اتجاهات جامدة ومتعصبة مناقضة لطبيعة ما تشجع عليه وتبثه المؤسسة الجامعية». وأضاف الدكتور محمد شومان أستاذ الإعلام أن النظر إلى المسألة من وجهة نظر اكاديمية «زاوية مهمة جدا»، نفس الحديث ذكره الدكتور أحمد شوقى أستاذ علم الوراثة الذى اعتبر أن البعد المنهجى مهم وتساءل عن «مصادره، وأدلته، وتوثيقه لما يقول» (يقصد الاستاذ الجامعى)، وانتهى الدكتور حاتم الطحاوى، استاذ التاريخ إلى أن الكتاب «لا يمت بصلة للأكاديمية»، وتناولت ماجدة برسوم نفس الأمر من زاوية أنه «لا يمت بصلة للبحث العلمى، ليس عنده أرقام واحصاءات، أقرب إلى الدردشة، وعيب على الجامعة»، واعتبرت الكاتبة إيمان رسلان الموضوع برمته «أزمة العلم والأسس الصحيحة للبحث العلمى»، ووصفه مجدى أمين وهو له خبرته فى العمل الأهلى، أن الكتاب «كلام مرسل، ولكنه يكتسب مصداقيته من شخص قائله، فلو أن القائل أستاذ جامعى هذا يكفى كى يضفى المصداقية المطلوبة».
قصدت فقط من هذا الاستعراض المتنوع لتعليقات أساتذة وكتاب على المقال على صفحة «الفيس بوك» أن اؤكد أن القضية أكبر من حصرها فى مجرد عبارات وردت فى كتاب أساءت للمسيحية، وزايد عليها البعض، وسعى آخرون إلى توظيفها طائفيا، فى حين أن الإشكالية وإن كانت تنطوى على اساءة لمعتقد، أو للمؤمنين به، إلا أنها أزمة أكاديمية بالفعل.
تحتاج الجامعة إلى إعادة تفكير جاد، من حيث اختيار العاملين بها، رفع مستوى الجودة، التخلص من الكتاب الجامعى الذى لا وجود له فى أى جامعة متقدمة، والاعتماد على تنوع القراءات، وإعطاء مساحة للعقل النقدى أن ينشط، والتفكير المبدع أن يجد فرصة.