أيزنهاور وإعلام النغمة الواحدة - نجلاء العمري - بوابة الشروق
الإثنين 30 سبتمبر 2024 2:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أيزنهاور وإعلام النغمة الواحدة

نشر فى : الإثنين 5 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 5 أغسطس 2013 - 8:00 ص

مثل هذه الاسئلة تطرحها ممارسات اعلامية برزت فى الفترة الاخيرة وإن كانت فى واقع الأمر ليست بالجديدة بل هى استمرار لما قبل الثلاثين من يونيو ــ هى فقط كانت تلبس عباءة أوسع تخفى معالمها وجاء الثلاثين من يونيو ليرفع عنها الغطاء.

وحكاية «ايزنهاور والسيسى» ليست إلا مثالا على سيل الأخبار الذى يطالعنا كل صباح دون أن نفهم له اصلا أو معنى. يرفضه العقل والمنطق ــ فى اللحظات النادرة التى يعمل فيها هذا العقل المغيب تحت هجوم حاد بكل أسلحة «النغمة الواحدة».

●●●

بدأت الحكاية بما نقلته معظم الصحف من أن «وسائل اعلام عالمية» قالت إن السيسى هو أهم قائد عسكرى منذ ايزنهاور ـ هكذا خبط لزق.

الخبر نشرته بعض الصحف مجهلا، منسوبا إلى «صحف عالمية» مما اضفى عليه أهمية أكبر. بينما كانت صحف اخرى أكثر تواضعا فنسبته مباشرة إلى الكاتب «الخواجة» الذى أصدر هذا الحكم وهو الصحفى البريطاني روبرت فيسك. الخبر بدأ مثيرا للاستغراب، فأى معرفة بهذا الكاتب ــ الذى تمتد سنوات اهتمامه بالمنطقة لنحو ثلاثين عاما ــ تجعل تصديق مثل هذه المقولة امرا شديد الصعوبة. والجملة تبدو غريبة على «وسائل الاعلام العالمية» ليس لأن ايزنهاور أهم أو أن السيسى قليل الشأن ــ هذا نقاش سياسى لا مجال له هنا ــ ولكن لأن ببساطة مثل هذه الأحكام المطلقة غريبة على وسائل الإعلام العالمية.

 هذه المرة ابى عقلى أن يتغاضى عن الأمر كما اعتاد ـ ربما لأن جرعة الأخبار التى لا أصل لها قد بدأت تزيد على القدرة على الاحتمال وربما لأن «الخبر» كان يتصدر الصفحة الأولى فى أكثر من جريدة بما يعنى أننا أمام «حالة عامة».

أصل الموضوع

 قررت العودة إلى مقال فيسك الأصلى فى صحيفة الاندبندنت لأكتشف أن ما كتبه الرجل مختلف تماما. فيسك كتب عن لقاء جمعه مع الكاتب علاء الأسوانى. يقول عنه: «كانت حماسة الأسوانى للسيسى لا حدود لها حتى «كدت» اقتنع أن السيسى هو أهم قائد عسكرى بعد ايزنهاور». وكانت هذه هى العبارة التى تحولت بقدرة قادر إلى العكس تماما فى الصحف المصرية.

لم تكن هذه هى المرة الاولى التى حورت فيها كلمات لهذا الكاتب فى الفترة الأخيرة. صحيفة الإخوان «الحرية والعدالة» هى الأخرى فعلتها قبل حكاية ايزنهاور بأيام قليلة ونسبت للكاتب ما لم يقله عن خطة لعدد من قيادات الجيش للتخلص من السيسى فى حال تفاقمت الأوضاع,

 وإذا كان الكثير من هذه الأخبار تتداوله الجماعة لأنها فى لحظة تهديد لوجودها وفى حاجة ماسة لكل ما يمكنها أن تتمترس خلفه من أخبار وأوهام تماما كما تتمترس خلف الجدران التى تبنيها حول اعتصام رابعة بالاضافة إلى ايديولوجيتها، فإن الأمر يختلف عندما يلجأ الطرف الآخر إلى الكذب. فهو الطرف الأقوى الذى حاز شرعية الملايين والذى هو فى موقع السلطة، فما الذى يدفعه هو الآخر إلى «انتهاج النغمة الواحدة» على حساب الحقيقة؟

الصحفى.. كاتب العامود

البعض يعود للحديث عن الإعلام التابع للسلطة ــ أى سلطة. والاعلام التابع لأجهزة بعينها. وقد يكون فى ذلك بعض الحقيقة سواء كانت هناك بالفعل «توجيهات أو ايحاءات» أو أن هناك من يتطوع للقيام بذلك دون أن يطلب منه.

لكن فى ظنى أن الأمر يتعلق بالأساس بتغييرات جذرية دخلت على مهنة الصحافة وعلى الإعلام المصرى على مدى سنوات طويلة جعلته يصل إلى هذه الحالة شديدة التشوه يدفع ثمنها المواطن العاجز عن الحصول على ابسط حقوقه فى الخبر السليم والمعلومة الصحيحة.

فأخطر ما أصاب الإعلام المصرى هو التغيير فى مفهوم الصحفى الذى لم يعد الباحث عن الخبر والناقل له. وهو أصل هذه المهنة بدليل أن غرفة الأخبار فى أى وسيلة اعلامية هى أهم اقسامها على الاطلاق ومن يعمل بها هم النخبة من الصحفيين. لكنهم كالجندى المجهول لا اسم ولا نجومية.

خطورة ما حدث فى مصر أن الأوراق اختلطت. من وظيفته كباحث عن الخبر اصبح يكتب عامود الرأى ينحاز فيه لمواقف تمنحه الشهرة وتزيد من عدد متتبعيه على تويتر. من هنا هذا الكم الهائل الذى لا مثيل له من الصحفيين الذين يجمعون بين العمل الصحفى اليومى وبين كتابة العامود. عامود رأى لا يحاسب فيه الكاتب على معلومة مغلوطة ولا على سب افراد بالاسم وكأنها مساحة ملكية خاصة.

وزاد الأمر تعقيدا مع انتقال الكاتب بعاموده وبممارساته إلى شاشات التليفزيون لتدخل المهنة إلى زمن المذيع المنحاز دوما وزمن «النغمة الأعلى» لانها تخلق نجومية بينما تقديم الاخبار كما هى دون زيادة أو نقصان لا تليق بالمكانة التى اكتسبها. الخطر ليس فى الانحياز فى الرأى مرة أخرى ولكن فى خلط الخبر بالرأى فى بيئة لا يوجد بها مصدر واحد موثوق به للاخبار. حتى إن الآلة الإعلامية الضخمة لمصر عاجزة حتى اللحظة عن امتلاك قناة اخبارية واحدة ذات قيمة ــ يتساوى فى ذلك التليفزيون المملوك للدولة والقنوات الخاصة.

خطورة المسألة ليس فقط فى اننا لم نعد نحصل على الخبر كما يجب أن يكون، الخطورة الاكبر فى هذه الاجيال من الصحفيين التى تنشأ فى بيئة اعلامية مشوهة. اجيال لا تعرف من القدوة إلا النجوم ومن المهنة الا ما يحدث فرقعة ودوى. أما بضاعة «الخبر» فهى لا تبيع. ولذا لم اندهش كثيرا عندما قال لى صحفى شاب: «كل هذا الكلام عن المهنة جميل. لكنه لا يصنع منى نجما». وهو فى ذلك على حق، فالمعادلة فى الاعلام المصرى اليوم: إما ان تكون صحفيا وأما أن تكون نجما حتى ولو على طريقة «ايزنهاور».

 

إعلامية مصرية

نجلاء العمري إعلامية مصرية
التعليقات